يشهد العالم، مساء اليوم الأحد، خسوفًا كليًا للقمر، وتؤكد المراكز والمراصد الفلكية المختلفة أنه سيكون مرئيًا بوضوح في معظم قارة آسيا وأستراليا، كما يمكن متابعة أجزاء منه في إفريقيا وأوروبا، وفي العالم العربي ستكون المشاهدة متفاوتة، إذ سيشرق القمر في المشرق العربي قبل بداية الخسوف، بينما يظهر في وسطه وهو في المراحل الأولى، في حين لا يراه سكان الغرب العربي إلا وهو في مراحله الأخيرة. التقديرات والحسابات العلمية الفلكية الدقيقة تشير إلى أن القمر سيدخل منطقة شبه الظل عند الساعة 6:27 مساءً بتوقيت مكةالمكرمة، ويبدأ الخسوف الجزئي في 7:27 مساءً، ثم يبدأ الخسوف الكلي في 8:30 مساءً، ليبلغ ذروته عند 9:12 مساءً، قبل أن ينتهي الخسوف الكلي في 9:53 مساءً. بعدها يستمر الخسوف الجزئي حتى 10:57 مساءً، ويكتمل الخسوف بانقضاء جميع مراحله عند 11:57 مساءً؛ ومعلوم أن لون القمر وقت الخسوف الكلي يعد مؤشرًا على نقاء الغلاف الجوي؛ فكلما زادت الملوثات مال لونه إلى الأحمر القاتم أو البني، وقد يختفي في حالات نادرة كما وقع عام 1992 للميلاد عقب انفجار بركان «بيناتوبو» في الفلبين، في منتصف عام 1991. إذا كان العلم يقدّم كل هذه التفاصيل الدقيقة لهذه الظاهرة الكونية، فإن الفقه أيضا يقدّم رؤيته الشرعية الجامعة، فالمطلع على أقوال الفقهاء يجد في مسألة أداء سنية صلاتي الكسوف والخسوف تيسيرًا كبيرًا على الرجال والنساء الذين يُندب لهم أداؤها، وعلى سبيل الاختصار، يجد الدارس للفقه أن الفقهاء لهم في هيئة صلاة هذه الشعيرة آراء تستند على نصوص وتطبيقات مختلفة؛ فعند الجمهور هي ركعتان، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان، وعند السادة الأحناف هي ركعتان كسائر النوافل؛ وعن أدائها جماعة أو فرادى؛ فالسادة الأحناف والسادة المالكية قالوا إنها تُصلّى «وحدانا» أي فرادى، أما عند السادة الشافعية والسادة الحنابلة فالسنة عندهم صلاتها جماعة، بخلاف صلاة كسوف الشمس، فتصلى فرادى كما تصلى جماعةً باتفاقهم جميعا؛ أما مسألة الجهر بالقراءة في صلاتي الكسوف والخسوف، فالجمهور قالوا إن القراءة مخفية في صلاة كسوف الشمس، وذهب السادة الحنابلة إلى الجهر بها، أما صلاة خسوف القمر فلا خلاف في الجهر بها؛ وبخصوص الخطبة عقب الصلاة، فالسادة الأحناف والسادة المالكية، وفي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، لا تسن، أما السادة الشافعية، وفي رواية للإمام أحمد، أنها تسن لها خطبتان، ويجدر بالذكر هنا أن الإمامين في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ختما إحدى صلوات الخسوف الأخيرة بخطبة وعظية، مع أن السادة الحنابلة لا يقولون بذلك، وهو ما يؤكد على جمال تنوع الآراء الفقهية، والمرونة في الأخذ، والمراعاة في التطبيق. أختم بأن هذا الحدث الكوني المرتقب له وجهان متكاملان؛ وجه علمي يرصد بالدقيقة مسار القمر في ظله وضيائه، ووجه شرعي يذكّر الناس بضرورة الخوف من الله تعالى، كما قال سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والفزع كما أمر إلى الذكر والدعاء والاستغفار؛ وإذا كان شروق القمر مخسوفًا في عدد من مناطق العالم يتيح فرصة مميزة لالتقاط صور تجمع بين المشهد الفلكي والمعالم الأرضية البارزة، وإذا كانت العدسات ستلتقط القمر وهو يتلوّن بأطيافه المتدرجة، فإن القلوب المؤمنة لا بد أن تلتقط من هذه الآية العظمى معانٍ إضافية أخرى، في مقدمتها أن الشريعة الغراء وسعت الناس باجتهاداتها وتنوعها، وأن العلم والدين يلتقيان دائما ليبنيا وعيًا جامعًا، يربط بين مشهد السماء ودروس الأرض.