ما زال الجانب المادي هو العائق الأكبر والأكثر تأثيرًا في مشوار الزواج، ولسوء حظ جيل اليوم، وجزء من جيل الأمس، أنه وقع بين مطرقة التكاليف المرتفعة وسندان الرواتب المنخفضة، ولذلك فإن أحلام كثير من الشباب والشابات تتحطم أمام تكاليف الحياة المرتفعة. ومتطلبات الزواج المهولة. ولقد قيل من قبل وكذلك من بعد: لا همّ إلا همّ العرس ولا وجع إلا وجع الضرس. وبالتأكيد فإن ذلك لم يقل من فراغ إنما من محض تجربة ومعاناة أحلام معلقة وربما ضائعة لا تدري على أي ميناء أو بأي حال سوف ترسو. لقد كان، وما زال الحديث عن الزواج يطول ويطول من حيث المهور ومتطلبات تقصم الظهور. وما بين ارتفاعها والصعود الصاروخي للذهب وتعدد وتنوع الالتزامات في مشوار الزواج حُطمت وكُبلت بوادر أي أمل في الأفق لانفراج هذه الأزمة، فليس هناك أي مجال لتقديم بعض التنازلات في سبيل حل هذه المعضلة أو التيسير فيها على الأقل. لقد كان وما زال هذا الطريق مفخخا أمام من يفكر بالإقدام على الزواج، وهذا الطريق في الغالب لا تأمن عندما تسلكه من وجود مطبات ومنغصات، فكل يوم جديد، هذا يعيد وذلك يزيد. مسألة ارتفاع المهور وتكاليف الزواج الباهظة والمتنوعة لدينا وبشكل مبالغ فيه أمر يتفق حوله الجميع تقريبا، ولكن حتى الآن ليس هناك حلول ترتقي لمستوى الطموح، ولذلك ما زال الشباب والشابات يدفعون الثمن، وأحسب أن ذلك مبرر كافٍ لذلك العزوف أو التأخير الذي نشاهده في الزواج. إننا لا نشاهد أي حلول أو مخارج توصل إلى بر الإيجابية في هذا الطريق، في ظل تمسك كل طرف برأيه وارتفاع مؤشرات التنصل من المسؤولية، لذلك ظل الأمر يزداد صعوبة والوضع تعقيدا. المهر والقصر والذهب والمطربة أو الدقاقة والوليمة والحنا والعضية والسماية، كلها تزيد من وعورة ذلك الطريق وصعوبته، في حين استمر أولياء الأمور وأصحاب القرار هنا محجمين أو متغافلين عن هذا الجانب وعن تقديم أي بادرة إيجابية. الكل ينتظر من يعلق الجرس ليبقى ذلك الشاب المسكين وحيدا في ساحة تلك المعركة. تفرض عليه تكاليف لا حد لها، ولا يستطيع تحملها، ما بين مهر وذهب وليالٍ مختلفة في ماراثون طويل قبل الوصول إلى خط النهاية. ماراثون كل شيء فيه ممكن ومتاح تحت بند التفنن في التكاليف ورفعها إلا أن تقدم الحلول والتنازلات، رغم أن الجميع تقريبا مدرك للوضع ومنكر لما يحدث، ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا. ولا شك هنا أن للمجتمع دورا كبيرا في ذلك التعقيد وتلك الصعوبات، فأولياء الأمور مستسلمون لعادات وطقوس فرضها المجتمع، وكذلك لأم البنت التي ترفض تقديم التنازلات بحجة زي الناس أو بنتنا مش أقل من باقي البنات، وهكذا فإنه لا توجد قضية بعد قضية فلسطين الكل متفق عليها مثل المهور، وتكاليف الزواج ليس فيها جزر وإنما المد الذي فاق كل تصور وحد، ورغم ذلك ما زال الوضع كما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للصبر أو مدرجات العزوبية. لقد أصبحت متطلّبات الحياة مرتفعة التكاليف سواء قبل أو بعد الزواج مما زاد الأمر صعوبة وتعقيدا، لذا فإن حقا علينا أن نشفق على أولئك الشباب والشابات في هذا العصر. الذين وقعوا تحت سطوة ارتفاع تكاليف الزواج وتعددها والتزامات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان. ليبقى الوصول في هذا الطريق ممكنًا ومتاحًا، ولكن بعد أن تقدم ما فوقك وما تحتك لتصل مثقلا بالهموم مكبلا بالديون، وبالتالي العيش تحت الضغوط وأشياء أخرى كلها أو جلها مبرر كافٍ لارتفاع نسبة الطلاق لتبقى تداعيات هذا الهم المشترك جاثمة على أحلام الشباب، فلا الأب قادر على اتخاذ القرار ولا الأم مستعدة للتفريط في هذه الليلة أو المناسبة، وما بين المهور وكسر الظهور لا يسمح للحالة بالظهور إلا إذا.. إلا إذا كان لأصحاب القرار كلمة الفصل هنا بقرار ملزم لكل مأذون شرعي وشيخ أو عمدة يحجم ذلك العبث، وإلا سيبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضررين الانضمام إلى مدرجات العزوبية.