أكثر من 30 برنامجًا متنوعًا في الفعاليات المصاحبة لكرنفال بريدة للتمور    مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم.. نجاح متجدد ورسالة عالمية    السعودية تدين إمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني    وفاة الإعلامي فهد بن عبدالرحمن خميس أحد رواد الصحافة السعودية    أمطار على جازان مصحوبة بزخات من البرد على المرتفعات الجبيلة الشرقية للمنطقة    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود جوازات المنطقة ويشيد بتطور الخدمات الرقمية    سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي الفتح    انخفاض طفيف للذهب وسط تطورات أسعار الفائدة    ميلوت يُعلق على هدفه الأول مع الأهلي    الهلال الأحمر ينفذ مبادرة المهارات الأساسية للإسعافات الأولية في جمعية الإعاقة السمعية بجازان    أبطال التجديف السعودي يتألقون في آسيا ب 4 ميداليات    بيت الثقافة يفتح أبوابه لدورة "عدستي تحكي" بالتعاون مع نادي فنون جازان    تجمع الرياض الصحي الثالث يطلق حملة تعلم بصحة لتعزيز الصحة المدرسية والوقاية المبكرة    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على غزة    التخصصي ينجح في زراعة قلب لطفل بعد نقله من متبرع متوفى دماغيا في الإمارات    ارتفاع تكاليف البناء 0.7% خلال يوليو 2025م    ألمانيا تعلن «حاجتها لجواسيس».. والبداية من لعبة كمبيوتر    السعودية تتيح التقديم المباشر على تأشيرة العمرة بلا وسيط    حجب متجرً إلكتروني يغش الذهب من خارج المملكة    فريق نيوم يختتم معسكره وجمهوره في استقباله بالورود    القيادة والمواطن سر التلاحم    في الشباك    سحب قرعة كأس الخليج للناشئين    صلاح يدخل التاريخ بحصوله على أفضل لاعب للمرة الثالثة    وزارة الرياضة تُعلن بدء مرحلة الاستحواذ على ناديي النجمة والأخدود    «قوى»: إعادة تشكيل سوق العمل ب 14.5 مليون مستخدم    أكد أنه يتاجر بالطائفة.. وزير خارجية لبنان: لا رجعة في قرار نزع سلاح حزب الله    لافروف يشدد على أهمية حضور روسيا مناقشة الضمانات الأمنية.. واشنطن تراهن على لقاء بوتين وزيلينسكي    حددت نسبة 10 % لتطبيق العقوبة.. «التعليم»: الغياب يحرم الطالب من الانتقال بين الصفوف    أمين الباحة يشرف حفل زواج الزهراني    أمن الطرق اسم على مسمى    «غزال» ينهي حياة عارضة أزياء روسية    تأهيل ذوي الإعاقة    اليمن يقطع شرايين تمويل الحوثي    إرتفاع عدد المنشآت المستفيدة من الصندوق.. «تنمية الموارد» يسهم في توظيف 267 ألف مواطن    «الدارة» تصدر عددها الأول للمجلة في عامها «51»    «المتلاعبون بالعقول».. مدخل إلى فهم التأثير    سعودي يحصد جائزة أفضل مخرج في السويد    نزوات قانونية    وفاة القاضي الرحيم فرانك كابريو بعد صراع طويل مع سرطان البنكرياس    شراحيلي يكرم نخبة من أهل والثقافة والفن والإعلام    الثبات على المبدأ    المشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يزورون المشاعر المقدسة    تأشيرة العمرة.. التقديم مباشر دون وسيط    ضمن إستراتيجية النقل والخدمات اللوجستية.. إطلاق الرحلات الداخلية للطيران الأجنبي الخاص    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    المرأة السعودية العاملة.. بين القلق والاكتئاب    «الملك عبدالله التخصصي» يُجري أول عملية زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    «الملك سلمان للإغاثة» يوقّع برنامجًا لدعم الأيتام في غانا    الفريق المشترك لتقييم الحوادث يفنذ عدداً من حالات الادعاء    نائب أمير الشرقية يطّلع على خطط تجمع الأحساء الصحي    تصوراتنا عن الطعام تؤثر أكثر من مكوناته    محافظ الدرب يستقبل رئيس وأعضاء جمعية علماء    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    طلاق من طرف واحد    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمان مصر وزمان سوريا وزمن العرب
نشر في الوكاد يوم 20 - 05 - 2011

يشتد التوتر عندنا في لبنان، ليس بسبب الأزمة الداخلية الناجمة عن عدم القدرة على تشكيل حكومة منذ أربعة أشهر، وحسب؛ بل وبسبب المواقف المتباينة من الأحداث الجارية في سوريا أيضا. فحزب الله وحركة أمل والحزب القومي السوري، والمتحالفون الآخرون مع النظام هناك، مصرون على أمرين: أن تيار المستقبل وقوى 14 آذار مساهمان في إحداث الاضطراب بسوريا الأسد، وأن ما يجري في سوريا هو في الأساس مؤامرة خارجية أدواتها بالداخل المتسللون والإرهابيون والسلفيون الذين بدأوا في إقامة إمارات إسلامية. والمسألتان غير صحيحتين بالطبع. إنما الطريف أن الإعلاميين والعاملين اللبنانيين مع النظام السوري منذ زمن، بدأوا بهما قبل إعلام النظام السوري الذي ما لبث أن تبعهم في ذلك. وما انصرف النظام وإعلامه اللبناني عن دعاواه الآن، لكن لأن الأحداث السورية تجاوزت كل حد، وتدفقت أسر سورية وجنود سوريون هاربون من الرعب والقتل إلى القرى الحدودية بشمال لبنان، فإن أحدا ما عاد يصغي إلى أخبار سوريا من دمشق أو من «المنار»، وصار لكل حادث حديث!
ما أتى التوتر لدى المسلمين اللبنانيين بالدرجة الأولى لسخطهم وقلة حيلتهم تجاه ما يجري على أشقائهم في سوريا فقط، ولا لأنهم لا يحبون النظام هناك فقط، بل لأنهم رجعوا مباشرة لأكثر من خمسين عاما للوراء، للزمن الجميل كما يسمونه، وهم يقصدون به زمان الوحدة بين مصر وسوريا. فالبعثيون في وعي المسلمين وسائر العرب هم سبب الانفصال الذي وقع شكلا عام 1961، وفعلا عام 1963؛ حيث دام واستطال، بحيث كادوا يقطعون الأمل من عودة مصر، وعودة سوريا. ودخل ياسر عرفات في وعيهم بسرعة، وتحسروا على خروجه لأمد طال. وأزعجهم دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، ليس لأنه وقف مع خصومهم في النزاع الداخلي؛ بل لأنه عمل بالدرجة الأولى ضد ياسر عرفات والمقاومة الفلسطينية. وعلينا هنا أن نتنبه إلى هذه المفارقة؛ إذ مع أن الجوار السوري أعرق بالطبع، وأكثر حميمية؛ فإن سوريا الإيجابية ارتبطت في أذهان شيوخنا وشبابنا بمصر، ثم بالمقاومة الفلسطينية. أفقنا أو أفاق جمهورنا في أواخر السبعينات على أن مصر غابت غيابا طويلا، وعلى أن الجانب العربي الوحيد المؤثر في حياتنا الوطنية هو نظام البعث (العربي الاشتراكي)، وما بقي هناك عبد الناصر ولا ياسر عرفات! ومنذ قرابة الثلاثين عاما دخل في وعي جمهورنا أن سوريا الحاضرة في مسام حياتنا - وبسبب النظام السائد فيها - لا تريد بنا ولا بالفلسطينيين ولا بالشعب السوري خيرا، وأن بقاءنا السياسي رهن بتوسط المملكة العربية السعودية لنا ولياسر عرفات لدى الرئيس الأسد!
بعض إخواننا القوميين ينسون أن الأوضاع التي كنا فيها قبل حدوث الثورات العربية عمرها أربعة عقود. وهي أوضاع ما كانت كثرة العرب الساحقة راضية عنها، وهي تقترن في وعيها بنكبات وهزائم ووجوه إذلال داخلي وأجنبي لا يكاد يتحملها بشر. وكما شهد آباؤنا وأجدادنا وشهدنا نحن جموع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين تفر هاربة من الضربات والاجتياحات الصهيونية، شهدنا ونشهد هروب العراقيين والليبيين والسوريين من نيران الأجهزة الأمنية والجيوش في زمن الأنظمة القومية التقدمية الخالدة! ولذلك يعود جمهورنا العراقي والسوري والفلسطيني والليبي والتونسي والجزائري إلى الزمن الجميل أو هكذا خلدت صورة ذلك الزمان في أذهان الشباب والشيوخ، لا لأن ذلك الزمن ما ذهب فيه ضحايا، وما ارتكبت فيه أخطاء؛ بل ليقين أولئك بالأمس أن ذلك كله ما كان مقصودا، بل المقصود هو الهدف الكبير في الحرية والوحدة وتحرير فلسطين. وقد رأيت عبر السنوات الماضية عراقيين يترحمون على الملكية، وليبيين يترحمون على السنوسي، وسوريين يترحمون على القوتلي، وهي أمور مفهومة الأسباب.
ترتبط مصر في ذهن جمهور المسلمين بلبنان وربما في بلدان عربية أخرى بالكثرة ذات الانتماء الإسلامي. وفي الواقع؛ فإن مصر هي التي حددت وعينا لهذه الجهة. فعبد الناصر كان في ذهن أهلنا زعيم المسلمين. وقد اضطر ذلك شيخ مثقفينا اليوم منح الصلح، ذا الميول البعثية من قبل، إلى إصدار كتيب في السبعينات عن عروبة النخب وإسلام الجماهير. أما العروبة فكرة وعيشا فقد ارتبطت في أذهان جمهورنا بسوريا منذ الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. وهكذا فمصر هي التقليد العريق والثابت والأصيل الذي يمكن الاطمئنان والاستناد إليه، وسوريا هي الوطنية العربية الحديثة، ولذلك جاءت الوحدة عام 1958 لكي يوافق شن طبقة، أي لكي تأخذ العروبة مشروعية إسلامية، وتستقر الحداثة القومية في قلب الإسلام! لقد حصل ذلك كله بالطبع في وعي الناس، وربما ليس في لبنان فقط؛ لكن المسلمين اللبنانيين ارتبط وعيهم منذ زمن طويل بهذين البلدين، وبالطريقة التي حاولت تصويرها تقريبا. والذي يدل على الحساسية الشديدة للمسألة الإسلامية في العقل الجمعي للأكثرية الإسلامية، أن ميشال عفلق نفسه - وأكثر من أكرم الحوراني مثلا - نشر فرضية في هذا الصدد، عبر رسالة له في ذكرى مولد النبي العربي، بشأن الخلفية الثقافية الإسلامية للعروبة. وما حدثت الغربة بين البعثيين والإسلام بسبب كثرة الأقليات بين نخبهم؛ بل بسبب سرعة وصولهم للسلطة في سوريا والعراق، وتركيز تلك الأقليات ليس على جماهيرية الحزب؛ بل على قيادته للدولة والمجتمع في عمليات التحول إلى الاشتراكية والحداثة، ثم إلى الحداثة من دون الاشتراكية. وهكذا فمصر عندما انكفأت (وليس عندما أُخرجت من سوريا فقط)، ما نقص إسلامها وإنما نقصت عروبة نخبتها الانكفائية. وسوريا عندما تبعثن نظامها (أي نخبتها)، ما نقص إسلام جمهورها ولا عروبته المرتبطة في الوعي بالإسلام؛ بل نقصت عروبة النظام، لحرص النخب على إخراج الإسلام منها. وفي حين اتجه النظام المصري أيام السادات ومبارك إلى نشر آيديولوجيا مصلحة مصر، وإبعادها عن متاعب العرب ومشكلاتهم وتخلفهم، اتجه النظام السوري لادعاء المبالغة في متابعة وصون واجبات سوريا القومية، على حساب عيش المواطنين، فتصاعدت حساسيات بسطاء الناس من اللبنانيين والفلسطينيين وسائر العرب، الذين يدعي النظام أنه مهتم بقضاياهم أكثر من قضايا الداخل السوري. فحتى الجولان المحتل، ما لقي من الاهتمام في الإعلام السوري، وتصرفات الدولة السورية، بقدر ما لقيه جنوب لبنان، والمقاومة (من خارج سوريا ولخارجها) بشكل عام. وفي حين نازع النظام المصري الإخوان المسلمين عنده على الدين نفسه، واضعا الأزهر في حضنه، عَهِد النظام السوري بالإسلام عمليا إلى الإخوان المسلمين السوريين الذين ناصبهم العداء وناصبوه إلى النهايات المأساوية المعروفة.
تجذرت في وعي المسلمين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعراقيين وكثرة من المصريين إذن، كل من مصر وسوريا، كما كانتا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، سادت الوعي وجوه وأبعاد فصامية، بحيث تنافرت في وعي الناس على اختلاف بلدانهم العروبة مع الإسلام، أو الإسلام مع العروبة، والإسلام والعروبة معا مع الأنظمة الجمهورية الخالدة في مصر وسوريا، أو كما عبر عن ذلك بشكل دقيق الأستاذ المعروف برهان غليون بإصدار كتاب بعنوان: الدولة ضد الأمة! ولذا فقد دخل الجمهور العربي كله (وليس اللبناني فقط)، في نوستالجيا عظيمة، عندما انهار النظام المصري، وتخلخل النظام السوري. وتلك النوستالجيا تهدف إلى إلغاء العقود الأربعة الماضية من الوعي والواقع، ليعود التكامل بين مصر وسوريا، وبين العروبة والإسلام.
إن الذي أراه أن الماضي لن يعود سواء أكان حسنا أم سيئا. لكن العرب في بلاد الشام بعد مصر، يدخلون في زمن جديد، وهو زمن وإن لم يهتم بترميم الماضي الجميل؛ فإنه سوف يفتح الأفق على مستقبل آخر يتجاوز المتسلطين باسم العروبة، والانكفائيين والانتحاريين باسم الإسلام!
نقلا عن الشرق الاوسط السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.