وسط حراك دبلوماسي مكثف لإيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن مناقشة الضمانات الأمنية من دون إشراك موسكو "لن تؤدي إلى أي مكان"، مؤكداً أن هذه الضمانات ينبغي أن تكون عادلة ومتساوية للجميع. وقال لافروف في مؤتمر صحفي، أمس (الأربعاء): إن بلاده لم تلمس حتى الآن مواقف بنّاءة من القادة الأوروبيين، الذين اجتمعوا في البيت الأبيض مطلع الأسبوع؛ لمناقشة الملف الأوكراني، مشيراً إلى أن موسكو ترى في محاولات بعض القادة الأوروبيين سعياً للتأثير على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتغيير موقفه. لكنه استدرك بأن الإدارة الأمريكية "تتمتع بفهم جيد لجذور الأزمة". وفي السياق ذاته، اعتبر كيريل دميترييف، الممثل الخاص للرئيس الروسي للاستثمار والتعاون الدولي، أن العواصم الأوروبية تحاول عرقلة أي تقارب روسي – أمريكي بذريعة "عدم الثقة بروسيا"، بينما تسعى موسكو إلى استئناف مفاوضات السلام. التصريحات الروسية جاءت بعد أيام من قمة ألاسكا التاريخية، التي جمعت ترامب ونظيره فلاديمير بوتين، والتي لم تقتصر على ملف أوكرانيا، بل فتحت أيضاً ملف القطب الشمالي؛ باعتباره ساحة جديدة للتعاون بين واشنطنوموسكو. واعتبر بوتين أن استئناف المشاريع الاقتصادية والعلمية في القطب الشمالي، يمثل خطوة مهمة، بينما رأت واشنطن أن التعاون في هذه المنطقة الحساسة قد يشكل مدخلاً لتقليل اعتماد موسكو على الصين، ويتيح فرصاً للطاقة والمناخ والأمن. بالتوازي، يواصل ترمب جهوده لعقد قمة تجمعه مع كل من بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في محاولة لإنهاء حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، غير أن مكان انعقاد القمة لا يزال مثار جدل؛ إذ طُرحت عدة خيارات أبرزها جنيف وفيينا؛ باعتبارهما مدينتين محايدتين، بينما دعا بوتين إلى عقدها في موسكو، وهو ما رفضه زيلينسكي. كما برزت بودابست كخيار مدعوم من واشنطن، نظراً لعلاقاتها الوثيقة مع ترمب، لكن الموقف الأوكراني من المجر يبقى متحفظاً بسبب خلافات سابقة. ورغم الزخم السياسي، ما تزال العقبات قائمة، خصوصاً في ما يتعلق بالتنازلات الإقليمية، فبوتين يشترط احتفاظ بلاده بأجزاء من إقليم دونباس ضمن أي اتفاق سلام، في حين يرفض زيلينسكي مبدأ "المقايضة بالأرض". أما على صعيد الضمانات الأمنية، فيدفع الأوروبيون نحو التزامات مشتركة، بينما يفضل ترمب عدم إرسال قوات أمريكية برية إلى أوكرانيا، مكتفياً بالدعم الجوي والمساعدات الدفاعية، في حين قد تتحمل فرنسا وألمانيا وبريطانيا مسؤوليات ميدانية أكبر. ويرى مراقبون أن نجاح أي قمة ثلاثية يتطلب خطوات بناء ثقة تدريجية تبدأ من لقاءات الخبراء، كما أشار لافروف، قبل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة بين القادة. وبينما يسعى ترمب لفرض نفسه كوسيط رئيسي، تبقى نتائج هذا الحراك مرهونة بمدى استعداد موسكو وكييف لتقديم تنازلات متبادلة، وسط أجواء دولية معقدة يختلط فيها الأمن بالطاقة والمناخ والجغرافيا السياسية.