تفضّل الله تعالى على بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية بقيادةٍ رشيدةٍ قائمةٍ بأعباء تحقيق مصالح المجتمع بثباتٍ لا يتزحزح، وعنوانُ ثباتنا على المبادئ الصحيحة في المستجدّات والأحداثِ: أن نقف صفّاً مرصوصاً خلف قيادتنا، وأن لا نلتفتَ إلى من حاولَ التشويشَ علينا في ذلك، فلن يكون إلا عدوّاً حاقداً، أو ذا غلٍّ حاسداً.. ما من موقفٍ صحيحٍ إلَّا والوصول إليه يحتاج إلى جهودٍ كثيرةٍ، من تفكيرٍ صحيحٍ، واسترشادٍ بمصادر الحقِّ والهدى، ولزومِ جماعةِ المسلمين وإمامهم، واتخاذ قراراتٍ صائبةٍ، وإذا اتخذ الإنسانُ هذه الخطواتِ للوصول إلى موقفه الصَّائب لم ينته التّحدِّي عند هذه الخطوة، بل يحتاج إلى الثباتِ عليه، والتحلّي في ذلك بسعةِ أفقٍ وطولِ نفسٍ وجلَدٍ لا يستسلم للصعوباتِ، والاستعداد لمجابهة المشككين والمتربصين، فهم كُثُرٌ، ولهم أساليب متنوعةٌ، وكل ذي موقفٍ صحيحٍ يعدُّونه هدفاً؛ فلا يقف الإنسانُ موقفاً ينفعه في معاده أو معاشه إلا انبرى له مشككون، يركبون كلَّ صعبٍ وذلولٍ للتشويش عليه، وهذا التشكيك يحصل من شياطين الإنس والجنِّ؛ فأخوف ما يخافونه أن يستقرَّ الإنسان على مبادئ صحيحة، وهم متفقون على كون الصرف عن مصالح المعاد هدفاً لهم، ويزيد شياطين الإنس من أهل الغلِّ والحقد أنهم معنيُّون بمحاولة عرقلة الأفراد والمجتمعات عن المضي قدماً في مصالح المعاش، كما أن التشويش على المبادئ يصدر من النفس الأمَّارة بالسوء، فصاحبها بعيدٌ عن أن يطمئنَّ على دربٍ سليمٍ، بل هو إما أن لا يسلكه البتَّة، أو يجتازه متذبذباً ثم يبتعد عنه ابتعاداً تامّاً، ولي مع الثبات على المبادئ وقفات: الأولى: الثبات على الحقِّ هبةٌ ربّانيّةٌ، وعلى المسلم أن يعلم أنَّ ما ناله منه محض فضلٍ وإنعامٍ من الله تعالى، كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)، وحاجة الإنسان إلى نعمة الثبات على الحق تبقى مستمرَّة لا تنقطع، ولا يلزم من ثبات المرء فيما مضى من عمره أن يستمرَّ ذلك في بقية عمره، فمن أساس التقوى الاهتمام بمستقبل العلاقة بين الإنسان وربِّه، والخوف من سوء العاقبة، وقد ألهمنا الله تعالى الدعاء بالثبات وعدم الزيغ، فنقول: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، ومن أدعية النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ, ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، فمن أهم ما يعين على الثبات الدعاء به، فحقيقٌ بالمسلم أن لا يغفل الدعاءَ به لنفسه ولزوجه وذريّته، وكذلك ذكر الله تعالى؛ فإن الشيطان إنما سمي خنّاساً (أي كثير الاختفاء بعد الظهور)؛ لأنه يختفي عند ذكر الله تعالى، وما من مشوّشٍ على الثبات على الحقِّ إلا وهو من جنود الشيطانِ، فإذا ابتعد المجنِّدُ ضعُف أتباعُه، وتأتي تلاوة القرآن بتدبُّرٍ في طليعةِ الأذكار المحصِّنةِ للإنسانِ عن الشيطان وجنده، لا سيّما سورةُ البقرة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ»، أخرجه مسلمٌ، وأخرج من حديث أبي أمامةَ الباهليِّ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليهم قال: اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». والْبَطَلَةُ: السَّحَرَةُ، وهم أكبرُ من يشوشُ على المبادئ، ويُخرج الإنسانَ من طوره، ويزحزحه عن مصالحه، ويكفي في ذلك تفريقهم بين المرء وزوجه. الثانية: مما يعينُ على الثباتِ الاعتدالُ والوسطيّةُ في الأمورِ؛ فإن المبالغة المتطرفة في شيءٍ لا تقبل الاستمرار؛ ولهذا كانَ الدينُ يُسراً مبنيّاً على رفعِ الحرج، والترخيصِ في مواضع الحاجة والضرورة بحسب كلٍّ منهما، ولو عامل الإنسان الأحكام الشرعيَّة بمبدأ المغالاة لانقطع في بداياتِ أو وسط الطريقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»، أخرجه البخاري، هذا فيما يخصًّ علاقة العبد بربّه، ويقال مثله في علاقات الناسِ وأمورهم وكدهم في مصالحِ معاشهم، فلا يثبت شيءٌ منها إلا إذا كان على القدر المعقول، وينقطع كل من تعاطى منها ما فوق طاقته، أو ما يرهقه من أمره عسراً، فمن أراد استمرارَ صحبته لأهل ودّه من أسرته وأصدقائه، لم يؤسسها على المغالاة والمظاهر غير القابلة للاستمرار. الثالثة: مما يُعينُ على الثبات لزومُ الجماعة والالتفاف حول القيادةِ؛ فإنَّ معيةَ ولاة الأمر ولزوم الجماعةِ مباركةٌ، وأسباب التذبذب تعترض الفرد، ويحفظ الله تعالى منها الجماعة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: (يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ)، أخرجه الترمذيُّ، وصححه الألباني، وقد تفضّل الله تعالى على بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية بقيادةٍ رشيدةٍ قائمةٍ بأعباء تحقيق مصالح المجتمع بثباتٍ لا يتزحزح، وعنوانُ ثباتنا على المبادئ الصحيحة في المستجدّات والأحداثِ: أن نقف صفّاً مرصوصاً خلف قيادتنا، وأن لا نلتفتَ إلى من حاولَ التشويشَ علينا في ذلك، فلن يكون إلا عدوّاً حاقداً، أو ذا غلٍّ حاسداً.