يعود زاهي وهبي من جديد إلى مشاهديه عبر شاشة الميادين ليقدم «بيت العرب»، بعد ابتعاده لما يقارب الثمانية أشهر عن الإعلام، لكن ليس عن الشعر الغارق فيه من رأسه حتى أخمص قدميه. عن CD القصائد الذي أصدره، وديوانه الشعري المرتقب، ورؤيته للكتاب ومصيره، وعن حال وسائل الإعلام وتأييده للثورات العربية وغيرها من الأمور، كان هذا اللقاء: - طال غيابك عن الشاشة، متى ستكون العودة؟ فور انطلاقة قناة «الميادين» سأنطلق ببرنامجي. أما عن التاريخ المحدد، فهذا منوط بالقيمين عن القناة، لكن أعتقد بأن الفترة لن تمتد لأكثر من شهرين، أو ثلاثة، على أبعد تقدير. - ستطل في برنامج «بيت العرب». أخبرنا عنه؟ هذا الاسم مبدئي، قابل للتغيير والتعديل، لكن المضمون سيكون قريباً من مضمون وروحية «خليك بالبيت»، إنما في قالب مختلف قليلاً، ومنسوب ثقافي أعلى. سأستضيف مفكرين ومثقفين من أرجاء الوطن العربي كافة، ومن كل التيارات الفكرية والأدبية، بمعزل عن جنسهم وجنسيتهم وانتماءاتهم، لنستمع إلى آرائهم، ونستفيد من خبراتهم، ونسلط الضوء على تجاربهم الإبداعية الناجحة. - في عصر السرعة والابتعاد عن القيم الذي نعيشه، هل مازالت الناس في رأيك تهتم بالأمور الأدبية والثقافية؟ رغم أن المشهد في إعلامنا العربي يميل نحو التسلية والترفيه السطحي، لكنني أعتقد بأننا في أمسِّ الحاجة لوجود برامج ذات بعد ثقافي يتوافر فيها شرطا السلاسة وعدم التعالي على المشاهدين، وغير مقعر في الوقت نفسه. اعتدنا تاريخياً على أن البرنامج الثقافي «ثقيل الدم»، وغارق في الجدية، لكن في السنوات الأخير اختلفت المعادلة، وهنالك تجارب جديرة بالاحترام في مختلف القنوات الكبرى، ك»روافد» لأحمد على الزين، و»إضاءات» لتركي الدخيل، و»زيارة خاصة» لسامي كليب، و»بلا حدود» لأحمد منصور، وغيرها كثير من النماذج الناجحة. لذا وانطلاقاً من إحساسي بحاجة الإعلام العربي لهذه المساحة، أتمنى أن يستقطب برنامجي الجديد المشاهدين كما استقطبهم «خليك بالبيت» على مدار 15 سنة متواصلة، وأن يحظى بالنجاح نفسه، وإن كانت كل تجربة جديدة بمثابة مغامرة، لكن الأمر في نهاية المطاف بيد الله سبحانه وتعالى. - أنت اليوم أمام رهان، لأنك تطل عبر شاشة جديدة يؤخذ عليها بأن سياستها إيرانية سورية؟ أنا غير مخول الحديث باسم القناة، لكن من خلال جلسات التحضير التي أقوم بها لبرنامجي لا أشعر بما يشير إليه السؤال، بل أشعر بأن القناة ستكون متوازنة ومتنوعة بشبابها العامل من مختلف الجنسيات والبلدان والتوجهات، وهذا ما يذكرني ببداياتي في تلفزيون المستقبل. لكن وفي كل الحالات أستطيع التأكيد بأنني كما كنت إعلامياً مستقلاً لا أنتمي لأي جهة سياسية، ولا أرفع أي راية أيديولوجية، سأبقى كذلك في أي مكان أتواجد فيه، لأنني حريص على صورتي أولاً كشاعر، وثانياً كإعلامي. فالشاعر ليس بحاجة لينتمي إلى جهة معينة، لأنه في اعتقادي حزب متنقل على قضاياه، ينتمي إلى قلمه وقصيدته، لكن هذا لا يعني بأن ينسلخ تماماً عن الواقع، بل أراقب، وحين يستدعي الأمر التصفيق لجهة ما، أو توجيه ملاحظة لأخرى، فسأفعل ذلك وبصدق. - كيف تصف تعامل وسائل الإعلام مع الثورات العربية؟ لا نستطيع إطلاق الأحكام جزافاً، فمثل هذا السؤال يحتاج إلى قراءة متأنية، إذ لا يطلق أحد وسيلة إعلامية لوجه الله، إنما لغاية وهدف. لاشك بأن إعلامنا مسيس ومنقسم كما هو حال واقعنا العربي الواضح للعيان. لكنني لست من أنصار نظرية التعميم، ففي كل القنوات أسماء نزيهة ومحترمة وراقية وموضوعية، وبرامج جديرة بالمتابعة، فأنا مع الحوار الهادئ والموضوعي بين الخصوم والمتناقضين، وهذا ما يفيد المتلقي، وليس مع الصراخ والشتائم والسباب الذي لا يقدم ولا يؤخر. - هل أنت مؤيد للثورات، وهل دفعتك كشاعر لكتابة قصائد خاصة بها؟ لا يصبح الشاعر شاعراً إذا لم يكن في صف الشعوب. بالطبع أؤيد هذه الثورات من المحيط إلى الخليج، ومع الديمقراطية والتقدم، وكل ما يجعل مناخ الحرية في الوطن العربي أكثر اتساعاً ونقاءً ونصاعة، لكن في الوقت نفسه أنا ضد أن تصادر هذه الثورات من قبل أي جهة، أو دولة خارجية. أتمنى أن نتحلى بالوعي، وأن نفوت الفرصة على من يحاول سرقة التضحيات والدماء والآمال والألم التي نمر بها، وأن تحقق الثورات تقدماً حقيقياً إلى الأمام. وأنا دائماً من أنصار الحكم المدني والدولة المدنية التي أظن أنها خير مثال لحياتنا بعد كل التجارب المريرة التي عشناها. كتبت لمعظم الثورات والشعوب العربية نصوصاً بين الشعر والنثر، منها ما نشر، ومنها ما سيصدر قريباً في كتاب. - متى، وكيف، وما هي تفاصيله؟ ديوان «لمن يهمه الحب» سيصدر بعد أيام، أو أسابيع قليلة، عن دار الساقي. يتضمن مجموعة كبيرة من القصائد الطويلة نسبياً، والقصيرة التي لا تتجاوز السطرين، وسيكون خطوة جديدة في مسيرتي الشعرية التي أعطيها الأولوية على كل ما عداها، إذ أعتبر الشعر هو الأبقى والأنقى، وهو من يمثلني ويشكل هويتي وبصمتي، مع احترامي لتجربتي الإعلامي، لكن يبقى للشعر نكهة ومكانة خاصة في قلبي. - لفتني تركيزك على الحب في هذا الديوان، وفي ديوانك السابق «رغبات منتصف الحب»، فما القصة؟ ربما لأنني أعيش هذا الحب في حياتي الخاصة. أحياناً نكتبه إما لأننا نحياه كثيراً، وإما لأننا نفتقده كثيراً! وفي ديواني لا أركز فقط على الحب المتعارف عليه فقط، بل على الحب الإنساني، حب الأخ لأخيه، حب الصديق لصديقه، حب الأمكنة، فأنا أؤنسن العلاقة مع الأشياء «شجرة، أريكة، طاولة في مقهى»، وأسعى لأن تكون مصدر إلهام لي، إذ لا أؤمن بالجماد في هذا الوجود، حتى في الحجر أجد الحياة. أتمنى أن يلقى الكتاب استحسان القراء، ويبث في نفوسهم بعض مشاعر وقيم الحب، لأننا نحتاجه كثيراً في مجتمعاتنا العربية التي كثرت فيها الضغائن والأحقاد والانقسامات. وربما هذا ما جعلني ألجأ إليه كملاذ ووسيلة دفاع عن الحياة والفرح والجمال والخير، وكل القيم النبيلة التي نطمح إليها جميعاً، ونسعى لأن تسود في مجتمعنا العربي من المحيط إلى الخليج. - كم يمتلك الكتاب بعد من قيمة في مجتمعنا العربي في رأيك؟ الإحصاءات لا تبشر بالخير في هذا المجال، فنسبة الأمية مرتفعة جداً، ونسبة القراءة بين المتعلمين متدنية قياساً بمستوياتها لدى الشعوب الأخرى، لكن علينا ألا نكتفي «بالنق» ونقد المجتمع، بل أن نسعى لإيصال ما نؤمن به بكل الأشكال والوسائل. لذا أعمد إلى مخاطبة المتلقي عبر الكتاب حيناً، والصوت حيناً آخر، وعبر الأمسيات الشعرية والأغنية لإيصال النص الشعري، ولا أكتفي بالجلوس في البيت وإلقاء اللوم والعتب على المجتمع. فالمسؤولية متبادلة بين الكاتب وبين القارئ، الذي عليه أن يسعى أكثر لشراء الكتاب، ولا يهمني إن كان ورقياً، أو إلكترونياً، فأنا شخصياً لدي علاقة خاصة بالكتاب الورقي، لكننا بتنا اليوم قادرين على قراءة أي كتاب عبر وسائل الإعلام الحديثة التي لا أعتقد بأنها ستحل مكان الكتاب أو تلغيه، بل ستساعد في انتشاره إن أحسنّا الاستفادة منها. - هل من أمسيات شعرية قريبة ستقدمها؟ أحضر لأمسيات قريبة ستتوزع بين عمَّان، والكويت، وأبو ظبي. - أصدرت مؤخراً CD «أغني لها» الشعري من إنتاج روتانا. أخبرنا عنه؟ يتضمن 12 قصيدة شعرية منتقاة من دواويني المختلفة، منها ما هو جديد، ومنها ما هو مسموع، أو منشور في الصحف. القصائد مسجلة بصوتي، وترافقها مقطوعات موسيقية ألفها المؤلف الموسيقي والعازف رامي خليفة، ابن الفنان الكبير مارسيل خليفة، ومرفق بالCD كتيب خاص يحتوي ترجمة للقصائد باللغة الإنجليزية. فكما قلت سابقاً الحياة تتقدم وأدوات المعرفة تزداد، ولم تعد حكراً على كتاب، أو صحيفة، وعلينا كشعراء ألا نكون رجعيين، وألا نقف في مكاننا ونكتفي بالنقد واللوم. - حكي كثير عن مشروعات لك في مصر. ماذا حل بها؟ كنت سأوقع اتفاقاً لمدة خمس سنوات، لكن مع دمج قناتي الاتحاد والميادين، بات الأمر يتطلب مني تفرغاً كاملاً، لذا انسحبت من الاتفاق، على أمل أن أذهب يوماً ما إلى مصر التي تظل حلماً لكل إعلامي وفنان، وتبقى أم الدنيا مهما كانت الظروف والأوضاع التي تعيشها. سأظل أنظر إليها كقبلة فنية وإبداعية يستفيد منها كل من يذهب إليها، من دون أن أقلل من أهمية بيروت وإبداعاتها، فأنا سعيد جداً لبقائي في مدينتي ووطني بين أهلي وناسي وأصدقائي الكثر.