الموتى فقط لا ينحازون. هي فكرة إن صدقت فهي حالة سكون لأن الحركة بمقتضاها انحياز إلى مسار ما، فلا توجد منطقة عازلة أو قوقعة تفرض قطيعة مع الخارجي. عدم الانحياز فكرة رومانسية في عالم السياسة؛ كان ترويجها ممكنا في فترة الحرب الباردة، كخطاب دعائي إلى حد ما، وعلامة لمرحلة ما قبل الانضمام إلى هذا الطرف أو ذاك، ومحاولة تغرير بالجمهور الذي يتعلق بكل ما هو براق، ويبحث عن قيمة خاصة وسط صراع شرس. سقط الإطار الضيق والمعقول بصورة ما لمفهوم عدم الانحياز، الذي نشأ على أساسه وتغير التاريخ جذرياً، إلى درجة أن بعض البلدان المؤسسة انغمست في الحرب الباردة أكثر من الأطراف التابعة التقليدية، ثم لم تبق دولة مهمة في الحركة إلا ولها بوصلة محددة. الإعلان الرسمي لسقوط حركة عدم الانحياز هو احتضان طهران لقمتها السادسة عشرة، لأن المواقف السياسية لإيران تناقض وتنسف المبادئ العشرة للحركة، وهي بمناصرتها الفاضحة لجرائم النظام السوري وتدخلها الميداني فيه أسقطت ورقة التوت الأخلاقية للحركة، فلم تعد سوى محطة لاستعراض النوايا وحشد التأييد. من المؤكد أن هذه القمة ستكون مأساة على المستوى الإنساني والأخلاقي إن قبلت، في أي شكل، مقترحاتها لحل المأساة السورية، لأنها تشارك في القتل اليومي للسوريين وتدعم التدخل الخارجي، وتنتهك حقوق الإنسان وتهدد بالعدوان، ولا تحترم سيادة الدول وتتدخل في شؤونها. معظم الدول الأعضاء في الحركة أقرت الورقة السعودية في الجمعية العمومية، والإسلامية منها أقرت تعليق عضوية سوريا في قمة التضامن الإسلامي الأخيرة، فهل ستستند إلى المبدأ الأخلاقي ذاته أم أن لكل حالة لبوسها؟ لو حافظت دول الحركة على قاعدتها الأولى، لوجب عليها تعليق عضوية إيران بسبب مواقفها الضدية والصادمة قبل أي خطوة أخرى.