الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد.. إلى أخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إنكم قد استقبلتم عاماً جديداً وودعتم عاماً مضى سجلتم فيه الأعمال الصالحة وخلا فيها غير الصالحة وبدون قصد عسى الله أن يعفو عما سلف وما كان في العام الماضي المنصرم من أخطاء بسيطة فهل حاسب الكل منا نفسه وندم على الماضي؟ وهل استعد لعامه الجديد أم تمر الأيام والشهور والدهور والأعوام ولا نعلم بما فيها من قبيح وزور قد سجل علينا في كتاب مسطور بحيث يعرض علينا يوم الحشر والنشور؟ أيها المسلمون إن الله عز وجل قد جعل السنة اثني عشر شهراً منذ خلق السموات والأرض إلى أن يرث الأرض ومن عليها وهي الأشهر الهلالية تحسب بالأهلة والتي هي مواقيت للناس كما قال تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)، قال ابن عباس رضي الله عنه سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة لكي يعلموا بها أمور دينهم صوماً وحجاً وعدة نسائهم، أما عدد الأشهر فقد حدثنا القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) إن هذا الخبر إلهي ولأمر رباني يدل دلالة صريحة واضحة أن التوقيت المعتبر والتاريخ المشتهر هو التوقيت والتاريخ الإسلامي الذي حدده الله في تشريعه وبينه في كتابه ووضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته كما روى الإمام أحمد وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه أن البني صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع ألا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب الذي بين جماد وشعبان، قال بعض أهل العلم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديثه أن الزمان قد استدار كهيئته إلى آخره تقريراً منه صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً للأمر على ما جعله الله في أول الأمر من غير تقديم وتأخير ولا زيادة ولا نقص ولا تبديل ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم في شأن مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام حرمة الله إلى يوم القيامة. أخي الكريم إنني أود أن أتحفك بفائدة تتعلق بأسماء الشهور الإسلامية التي أقر الإسلام أسماءها على ما اصطلح عليه العرب فشهر محرم سمي بهذا الاسم تأكيداً لتحريمه خلافاً لبعض الجاهلين من العرب الذين يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً آخر، وسمي شهر صفر بذلك الاسم لخلو الديار من أهليها عندما يخرجون للقتال والأصفار، وسمي شهر ربيع لارتباعهم ولا ارتباع الإقامة، وسمي جماد لجمود الماء لما فيه من شدة البرد ولعل هذه التسمية صادفت وجود هذا الشهر في شدة البرد، قال شاعر العرب في هذه الليلة: ليلة من جماد ذات أندية لا يبطر والعبد في ظلماتها الطنب ولا ينبح الكلب فيها غير واحدة حتى يلف على خرطومه الذنب وسمي شهر رجب بهذا الاسم لتعظيمه، وسمي شهر شعبان بذلك الاسم لتشعب القبائل فيه وتفرقها للغارة، وسمي شهر رمضان بذلك الاسم مأخوذ من الرمضاء وهو شدة الحر، وسمي شهر شوال بذلك مأخوذ من شالة الإبل بأذنابها لمطاردة الفحل وذو القعدة سمي بهذا الاسم لقعود العرب فيه عن القتال والترحال، وسمي شهر ذي الحجة بهذا لفرضية الحج فيه. أخي المسلم الكريم أنا ذكرت لك هذه الفائدة لتعلم يقيناً أن هذه الأسماء يترتب عليها التاريخ الهجري الإسلامي وأن الواجب على الأمة الإسلامة قاطبة أن يكون هذا تاريخها وتوقيتها عبادة ونظاماً في كل شأن من شؤون الحياة وأننا لسنا بحاجة إلى تقويم وتوقيت مستعار من غيرنا بل قد جاءت شريعتنا السمحة وديننا الحنيف بخيري الدنيا والآخرة ليس للمسلمين فحسب بل للبشرية جمعاء، أخي الكريم إن مرور الأعوام والدهور والأيام والشهور علامة على احتقار الدنيا وزوالها بل أنها كالراحلة التي يركبها الإنسان لسفر بعيد لا يدري متى العودة من هذا السفر، قال بعضهم في هذا المعنى: أنا الدنيا إلى الجنة أو النار أعاذنا الله وإياكم منها، الدنيا طريق والليالي متجر الإنسان والأيام سوق يروى عن عيسى عليه السلام إنه قال إن هذين الليل والنهار خزانتان فانظروا ماذا تضعون فيهما، ويقول بعض أهل العلم ما من يوم إلا هو يقول يا ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع عليك فانظر ماذا تعمل، فأعلم أخي المسلم أن الذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا ليس ذلك راجعاً إلى زمانها الليل والنهار فإن الله تعالى جعل ذلك خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً وليس سكناً ولا إلى ما أودع الله فيها من خيرات ومخلوقات فإن ذلك من نعم الله على عباده لما لهم فيها من المنافع التي تدل على وحدانية الصانع المبدع الكريم والحكيم.. هذا وبالله التوفيق وكل عام وعموم المسلمين بخير.