بيان حول ادعاء استهداف شاحنة ومنزل في حجة    ميتا تغري موظفي "اوبن ايه آي" بأكثر من 100 مليون دولار للانضمام إليها    لاوتارو : راض عن أداء الإنتر في مباراته الأولى ب «مونديال الأندية»    عبدالعزيز بن سعود يستقبل سفير إسبانيا لدى المملكة    "إنزاغي": مستعدون لمواجهة ريال مدريد وسنبذل كل ما في وسعنا للوصول إلى أبعد نقطة بالبطولة    مكتبة الملك عبدالعزيز تترجم أولى إصداراتها إلى الصينية    الذهب يتراجع مع ترقب المستثمرين قرار الفائدة الأمريكية    السعودية تُشارك في معرض سيئول الدولي للكتاب 2025    تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام الهلال    أمير جازان يستقبل مدير فرع الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين بالمنطقه    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضًا 122 نقطة    جامعة الملك فيصل ضمن أفضل 40 جامعة عالميًا في تصنيف التايمز 2025    الطقس الحار يزيد الضغط على مرضى التصلب العصبي.. و"أرفى" تدعو لبيئة عمل مرنة وداعمة    بر الشرقية توزع أكثر من 31 ألف كيلو من اللحوم على 3274أسرة مستفيدة    "الكشافة السعودية في موسم الحج: مسيرة مجد وتميز في خدمة ضيوف الرحمن"    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    أمير تبوك خلال تكريمه المشاركين في أعمال الحج بالمنطقة جهودكم المخلصة في خدمة ضيوف الرحمن محل فخر واعتزاز الجميع    الاحتلال الإسرائيلي يقصف منتظري المساعدات جنوب غزة    جمعية الصم وضعاف السمع تبحث فرص التعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية    وكيل محافظة القطيف أحمد القباع يشكر القيادة على ترقيته إلى المرتبة الثالثة عشرة    سعود بن نايف يطلق منتدى الصناعة السعودي SIF الاسبوع المقبل    من أعلام جازان.. معالي الدكتور إبراهيم يحي عطيف    القبض على 5 مواطنين لترويجهم الأفيون المخدر و 8,412 قرصًا من الامفيتامين المخدر و 4 كيلوجرامات من الحشيش بتبوك    أكثر من 700 موقع أثري جديد لسجل الآثار الوطني    صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان الكوري بهدف بكأس العالم للأندية    أدانت التهجير القسري والتوسع الاستيطاني في فلسطين.. السعودية تدعو لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بالمنطقة    إغلاق التسجيل في النقل المدرسي في 10 يوليو    "الأرصاد": "غبرة" في عدة مناطق حتى نهاية الأسبوع    اختبارات اليوم الدراسيّ.. رؤية واعدة تواجه تحديات التنفيذ    الروح قبل الجسد.. لماذا يجب أن نعيد النظر في علاقتنا النفسية بالرياضة؟    النصر يسعى للتعاقد مع مدافع فرانكفورت    اعتماد نهائي لملف الاستضافة.. السعودية تتسلم علم «إكسبو 2030 الرياض»    الجدعان: المملكة تتعاون للقضاء على فقر الطاقة في العالم    ملك الأردن: هجمات إسرائيل على إيران تهدد العالم    هيئة الأزياء تكشف الإبداع السعودي في الساحة العالمية    إنشاء مركز دراسات يعنى بالخيل العربية    صورة بألف معنى.. ومواقف انسانية تذكر فتشكر    "الحج" تنهي تسليم نموذج التوعية لمكاتب شؤون الحجاج    بتوجيه من خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يناقش خطوات التحضير المبكر للحج    إيران تعزز الأمن السيبراني بحظر استخدام الأجهزة المتصلة بالشبكات    مركب في القهوة والأرز يقلل الإصابة بالنوبات القلبية    نائب أمير الرياض يستقبل مديري «الشؤون الإسلامية» و«الصحة» و«الموارد البشرية»    «الشؤون الدينية» تقيم دورة علمية بالمسجد الحرام    مكان المادة المفقودة في الكون    ثورة في صنع أجهزة موفرة للطاقة    المهندس عبدالمنعم محمد زعرور رئيس مجلس إدارة شركة منصة التشطيب للمقاولات: رؤية 2030 اختصرت الزمن وقادت المملكة إلى نهضة شاملة    وظيفتك والذكاء الاصطناعي 4 أساسيات تحسم الجواب    مظلات المسجد النبوي.. بيئة آمنة ومريحة للمصلين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يضع حداً لمعاناة «ستيني» مصاب بجلطة دماغية وأخرى بالشريان الأورطي    القصيم الصحي يجدد اعتماد «سباهي» لثلاثة مراكز    إعادة شباب عضلات كبار السن    93.1% من المتسوقين يشترون من المتاجر الإلكترونية المحلية    قرعة كأس السوبر السعودي تُسحب الخميس المقبل    محافظ الطائف يزور المفتي العام للمملكة..    أمير القصيم ونائبه يستقبلان المهنئين بالعيد    نجاح المبادرة التطوعية لجمعية تكامل الصحية وأضواء الخير في خدمة حجاج بيت الله الحرام    " الحرس الملكي" يحتفي بتخريج دورات للكادر النسائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة التكفير (1-2)
نشر في الرياض يوم 06 - 02 - 2010

أحسنت جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة صنعاً بعزمها على تنظيم مؤتمر عالمي لدراسة ظاهرة التكفير، بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فالحق أن التكفير سواء كان موجهاً للأعيان أو المذاهب أو المقولات، أصبح ظاهرة بالفعل، وليس مجرد حالات معزولة هنا وهناك. ظاهرة عصية على الحل، طالما اكتفينا بمقابلته بخطاب وعظي يتكئ على مخزون تراثي يحمل الشيء ونقيضه!، لقد أثبتت مخرجات الظاهرة التكفيرية قديماً وحديثاً أن المجتمع الإسلامي لن ينجح في كبح جماحها، ما لم يضطر مشايخ التكفير ومريديهم وما يقتاتون عليه من تراث عقدي دُوِّن من تحت عباءة السياسة، إلى أضيق الطرق، بسن قوانين وأنظمة تردع أولئك المكفراتية عن تكفير مخالفيهم خوفاً من عواقبه القانونية لا المعنوية التي لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدوا!.
إن التكفير بصفته تجريداً للمسلم من هويته الدينية والذي يقابل التجريد من حق"المواطنة"في المجتمعات المدنية المعاصرة، يعتبر حدثاً طارئاً على البنية العقدية في الإسلام، أضيف إليها فيما بعد، كنتاج طبيعي ل "تديين" الصراع السياسي الذي اشتعل بعد وقعة صفين، آية ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكفر أحداً بعينه حتى يأتيه وحي بذلك، فيفشيه للناس بصفته تبليغاً للوحي فقط، ومع أنه كان يعرف كثيراً من منافقي المدينة بأعيانهم، إلا أنه لم يكن يَصِمُ أحداً منهم بالكفر بعينه، بل ولم يكن يكفر فعل أو قول أحد منهم بالشكل الذي يؤدي إلى تحديده بعينه، لقد كان عبدالله بن أبي بن سلول منافقاً معلوم النفاق، بل ومجاهراً بمقولاته الكفرية، مثل ما حكى القرآن عنه بأنه قال في إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم,:"لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، ومع ذلك فلم يكفره صلى الله عليه وسلم، ولما مات أراد أن يصلي عليه، فلم يمنعه من ذلك إلا نزول قوله تعالى:"ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره".
وتعظم خطورة التكفير عندما يتلازم عقدياً مع ضرورة تطبيق حد"الردة" بحق المكفر، وهو تلازم معروف في المنظومة التقليدية على اعتبار أن هناك طوائف إسلامية أخرى، كالمعتزلة ليس في منظومتها الفكرية مثل هذا التلازم من منطلق أنهم يردون ما يتعارض مع القرآن الذي لم يقرر عقوبة دنيوية بحق المرتد من جهة، ومن جهة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أو يهدر دما من غيَّر دينه إلا عندما يقرن ذلك بالإتيان بأفعال وطوام تتماس بالسلب مع أمن الدولة سياسياً أو اقتصاديا أواجتماعيا، وقصة العرنيين خير شاهد على ذلك، فقد سطوا على أحد الموارد الاقتصادية للدولة عندما مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذَودَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا"، فهذا جزاء من جنس العمل، قتلوا الرعاة، وفي رواية أخرى أنهم سملوا أعينهم من جهة وخرجوا على الدولة والنظام والمجتمع من جهة أخرى، فكانت عقوبتهم حينها عقوبة مدنية بحتة لا علاقة لها بردتهم عن الإسلام.
وأبو بكر من جهته قاتل المرتدين لا لأنهم غادروا الإسلام كعلاقة روحية تربط العبد بربه، بل لأنهم فارقوا جماعة المسلمين، تلك المفارقة التي تساوي بلغة عصرنا: تهمة الخيانة العظمى وهي تهمة لا يتسامح معها أي نظام حاكم علمانياً كان أم دينيا.
ومن حينها أصبح التكفير أداة من أدوات المعارضة السياسية، فكل طائفة، أو فرد، أو معارض لا يستطيع أن يدحض شرعية خصمه سياسياً إلا بتكفيره، ومع طول الأمد وعَجْزُ الفقه عن بلورة نظرية سياسية مدنية واضحة، واكتفائه بإرساء مبدأ"من غلبت شوكته وجبت طاعته"، توسع التكفير فأصبح وسيلة لفض النزاعات الفكرية البحتة، وإن شئت فقل: أنجع وسيلة لإسكات المخالف!.
فيما بعد، حاول الفقه تنظيم عملية التكفير فوضع لها ضوابط، من بينها عدم تكفير المعين إلا بعد توافر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه عنه!، ومن طبائع الاجتماع البشري أن التحقق من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه في حق أي فرد لا يمكن أن يتم من دون تدخل سلطة سياسية تحتكر إجبار الأفراد المنضوين تحت لوائها على المثول أمام من يستطيع التحقق من ذلك، مما يعني نظرياً على الأقل أن التكفير لا يمكن أن يتم شرعاً إلا من تحت قبة القضاء.
وإن تعجب فعجبٌ زعم أشيمطة التكفير لدينا أنهم لا يكفرون الآخرين بأعيانهم، وإنما يكفرون أقوالهم، لكن طريقة صياغة أسئلة التكفير التي تتلى عليهم من قبل أغيلمتهم، وإجابتهم هم عليها تدل دلالة قاطعة على أنهم يُكفِّرون أناساً معينين بأسمائهم، ولكي تستبين أيديولوجيتهم في نصب الشراك التكفيري العيني لمخالفيهم، هاكم نموذجاً لتلك الفتاوى التكفيرية التي تتكون من سؤال يتضمن الإجابة المطلوبة، وإجابة تستجيب لرغبة السؤال!
تتم صياغة السؤال التكفيري على النحو التالي:
فضيلة الشيخ (فلان بن فلان)، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات العقدية المصادمة لأصول الشرع، ومن ضمن تلك الكتابات مقالة نشرت في جريدة (كذا) عدد (كذا) بعنوان (كذا) قرر فيها كاتبها(كذا وكذا)، أفتونا في حكم ما جاء فيها مأجورين!.
ثم تأتي إجابة الشيخ المكفراتي على النحو التالي:
بعد أن يذكر جملة من القواعد والاستشهادات التي تهيئ الذهنية التقليدية لقبول "الفتوى" التكفيرية، يعود فيقرر أن من زعم كذا وكذا(إعادة مقتطفات المقال المرفقة بالسؤال)، فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام، فيجب أن (يُحاكم!) ليرجع عن ذلك، فإن تابَ ورجع، وإلا (وجب قتله!) مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون.
هكذا تكون الفتوى التكفيرية، استفتاءً وإفتاءً، قد صرحت بتكفير معين، وشرعنت لاغتياله، فمن جهة تحديدها للمكفر بعينه، نجد أن السؤال متضمن لعنوان المقالة، واسم الجريدة ورقم العدد، ومقتطفات أجتزئت من سياقها في المقالة!، والإجابة متضمنة هي الأخرى، تلك المقتطفات التي وردت في السؤال، ثم تكفير، والحكم بردة من يقول مثل هذا الكلام، وكاتب المقال قد تم تعيينه مسبقاً بتحديد مقالته.
وأما شرعنتها لاغتيال من صدرت بحقه فتوى التكفير، فنجدها واضحة في الصياغة اللغوية للفتوى، ففعل المحاكمة يبنى للمجهول،: "يجب أن (يُحاكم)"، والفاعل (=مَن ينفذ الحد) مجازي هو مصدر: قَتَلَ،:"وجب (قتله)"(والهدف تغييب الفاعل الحقيقي الذي يجب أن يُسند إليه تنفيذ الحدود وهو الحاكم)، وهي صياغة توحي أولاً، بأن من حق طلبة "العلم!" محاكمته أولاً، وهي ما توفرها الفتوى التكفيرية، وثانياً، أنه يحق لآحاد المسلمين تنفيذ الحد فيه، بعد أن يتقاعس الحاكم عن ذلك، والقول بتنفيذ الحدود من قبل "العلماء وطلبة العلم" يشكل أحد الاختيارات الفقهية المعروفة في المنظومة الفقهية السلفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.