الناصر في حوار مع "بلومبيرغ": دور السعودية سيظل رئيسياً في ضمان أمن الطاقة    أمير الشرقية: اتحاد الغرف شريك في التنمية    116 مليون سائح عام 2024.. 284 مليار ريال إنفاقاً سياحياً في السعودية    تجنباً لانزلاق المنطقة نحو الفوضى.. دول عربية وإسلامية تدعو للحوار لاستقرار المنطقة    تحديد موقع المركبة اليابانية المتحطمة    عام 2030 الإنسان بين الخيال العلمي والواقع الجديد    سر انتشار البشر خارج إفريقيا    طهران تقر إغلاق مضيق هرمز.. استهداف أمريكي لمنشآت نووية إيرانية    مونديال الأندية| ريال مدريد يتغلب على باتشوكا بثلاثية    الأخضر يتأهل إلى ربع نهائي الكأس الذهبية بنقطة ترينيداد وتوباغو    في ثالث جولات مونديال الأندية.. الأهلي المصري يواجه بورتو.. وتعادل ميامي وبالميراس يؤهلهما معاً    يوفنتوس يقسو على الوداد برباعية ويتأهل لثمن النهائي    علقان التراثية    اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا    نصائح لتجنب سرطان الجلد    العمل ليلا يصيب النساء بالربو    فيروسات تخطف خلايا الإنسان    الهلال يتعادل سلبيا مع سالزبورغ بكأس العالم للأندية    رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجومَ الإرهابي على كنيسةٍ في العاصمة السورية دمشق    أمر وحيد يفصل النصر عن تمديد عقد رونالدو    محاولة جديدة من الهلال لضم ثيو هيرنانديز    ولي العهد يبحث مع القيادات الخليجية والفرنسية والإيطالية مستجدات الأحداث في المنطقة    مبادرة للتبرع بالدم في "طبية الملك سعود"    تنظيم السكن الجماعي لرفع الجودة وإنهاء العشوائيات    أميركا تستهدف منشآت إيران النووية    الأحساء تستعرض الحرف والفنون في فرنسا    "الغطاء النباتي".. حملة لمكافحة التصحر    تحديد ضوابط وآليات بيع المواشي بالوزن    عسير تستعد لاستقبال السياح    قوة السلام    مستشفى المذنب يحصل على تجديد "سباهي"    إنقاذ حياة امرأة وجنينها بمنظار تداخلي    تباين في أداء القطاعات بسوق الأسهم السعودية    40 مليار ريال حجم الاقتصاد الدائري بالمملكة    أمير حائل يكرّم 73 طالبًا    «المنافذ الجمركية» تسجل 1084 حالة ضبط    الضّب العربي.. توازن بيئي    البحر الأحمر يعلن عن تمديد فترة التقديم للمشروعات السينمائية    أكثر من 19 ألف جولة رقابية على جوامع ومساجد مكة    الأحساء تستعرض تجاربها في الحرف والفنون ضمن مؤتمر المدن المبدعة بفرنسا    وزير الداخلية يودع السفير البريطاني    الشؤون الإسلامية توزع هدية خادم الحرمين من المصحف الشريف على الحجاج المغادرين عبر منفذ عرعر    إثراء يشارك في مهرجان للعمارة والتصميم في إسبانيا بمشاركات زراعية سعودية    6 رحلات يومية لنقل الحجاج الإيرانيين من جدة إلى عرعر    شاشات ذكية ب 23 لغة لإرشاد الزوار في المدينة المنورة    الإطاحة بمروج مواد مخدرة بمنطقة الجوف    «التراث»: إطلاق حملة «عادت» لتعزيز الوعي بأهمية الآثار    المرور: ترك المركبة في وضع التشغيل عند مغادرتها يعد مخالفة    10 أيام تفصلنا عن بدء تطبيق "تصريح التوصيل المنزلي"    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    جازان تودع الشاعر والأديب موسى بن يحيى محرق    %99 استقرار أسر مستفيدي زواج جمعية رعاية    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على صاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود    الجبهة الداخلية    احتفل دون إيذاء    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلير ولعبة النفاق السياسي
نشر في الرياض يوم 27 - 12 - 2004

لقد أحدث طوني بلير صدمة سياسية في المنطقة من خلال تصريحاته التي أدلى بها اثناء زيارته لفلسطين المحتلة خلال الأسبوع الماضي، والتي بلا أدنى شك قد أفرغ فيها مبادرته للسلام من مضمونها والتي كان قد أطلقها في نوفمبر الماضي «لعقد مؤتمر دولي في لندن لدفع وتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين» بعد الجمود الذي شهدته.
بلير كانت قد تملكته الشجاعة وبحث هذا الأمر مع الرئيس جورج بوش عند اجتماعه به وتهنئته بفوزه في انتخابات الولاية الثانية، وقد نظر كثير من المراقبين السياسيين في بريطانيا وخارجها لهذا الأمر بأن بلير يحاول من خلال هذه المبادرة أن يظهر بعض الاستقلالية في السياسة الخارجية البريطانية عن السياسة الأمريكية، كي يغطي على عمق الارتباط الذي ربط فيه بلير بين السياستين في الأزمة العراقية وتطوراتها والتي ابتعدت فيها بريطانيا كثيراً عن السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي وتطابقت مع سياسة بوش الأمريكية، ويسعى أيضاً إلى التخفيف من حدة المعارضة التي تواجهه في مجلس العموم بسبب سياسته الخارجية إزاء العراق بل ومعارضيه من نواب حزبه أنفسهم إزاء سياسته الخارجية ليمهد الطريق إلى انتخابه لولاية ثانية حيث الاستحقاق الانتخابي قادم خلال الشهور القادمة، ولكن الرئيس بوش لم يبد حماسة أو تأييداً يذكر لهذه المبادرة ولهذا المؤتمر الذي دعا إليه بلير ومع ذلك واصل بلير التأكيد على ظهور فرصة للسلام تسبب بها (غياب الرئيس الراحل عرفات وظهور قيادة فلسطينية جديدة) على حد زعمه، مما حدا به إلى زيارة المنطقة في الأسبوع الماضي ولكن بعد اجتماعه بسفاح صبرا وشاتيلا الارهابي آرئيل شارون خلال الأسبوع الماضي أجهر على ما تبقى من بقايا مبادرته المفرغة من مضمونها وتحولت إلى مجرد «اجتماع دولي لا يعني إلا الفلسطينيين فقط لمساعدتهم على إصلاح أجهزة السلطة وتأهيلهم للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين» والذي تواكب مع إعلان شارون لرفضه مشاركة إسرائيل في مثل هذا المؤتمر، لأنه لا يعني إلا الفلسطينيين فقط!!
فتحولت معه مبادرة طوني بلير من حفلة علاقات عامة كانت لا تقدم ولا تؤخر في مستقبل السلام الفلسطيني الإسرائيلي الذي تمسك بتلابيبه حكومة واشنطن منفردة ولا تسمح لغيرها من التأثير فيه إلى اجتماع تملي من خلاله اشتراطات ارئيل شارون مباشرة على الفلسطينيين ليتأهلوا للمشاركة مع اسرائيل في عملية السلام طبقاً للمفاهيم والمواصفات الإسرائيلية الشارونية للسلام!!
فهذا الجهد غير المحمود والمبذول من طرف طوني بلير يعد شكلاً متطوراً من أشكال النفاق السياسي الذي دأبت على ممارسته حكومة بلير مع القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة متماهية فيه هذه المرة ليس فقط مع سياسة جورج دبليو بوش بل مع سياسة وفرية الإرهابي شارون ومفهومه للسلام والقائم على فرضية غياب الشريك الفلسطيني للمفاوضات واعتبار الرئيس الراحل ياسر عرفات عقبة كأداة أمام عملية السلام وأن غيابه يخلق فرصة لدفع عملية السلام!!، وبالتالي فإن هذا الاجتماع اللندني (المصيدة) الذي دعا وخطط له بلير والذي أعلن هدفه مؤخراً بصراحة «تأهيل السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات» يعد تسليما كاملا من بلير برؤية شارون للسلام وتسويقا رخيصا لها يترفع عنه رؤساء الوزارات والدول المحترمون، ولذلك كان طبيعياً ان يبدي الرئيس بوتين استغرابه ودهشته من حديث البعض من أمثال جورج بوش وطوني بلير «من اعتبار ان رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قد خلق فرصة لدفع عملية السلام في المنطقة».
فعلى السيد بلير أن يدرك ان الطرف الفلسطيني هو الطرف المؤهل والجاهز دائماً للعودة إلى طاولة المفاوضات سواء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات أو اليوم بعد غيابه في ظل القيادة القديمة الجديدة، وأن الطرف غير المؤهل للمفاوضات وللمشاركة في عملية السلام هي حكومة إسرائيل برئاسة آرئيل شارون الذي وصل إلى الحكم وهو يعلن رفضه لاتفاقات السلام الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين وأن هدفه إسقاط اتفاق أوسلو وإعادة صياغة قواعد عملية السلام طبقاً لهواه وليس طبقاً للأسس التي تحظى بالدعم الدولي ودعم الشرعية الدولية، وهذا ما سعى إليه شارون وكرس جهد حكومته له على مدى سنوات حكمه الماضية، فدمر اتفاقات أوسلو وعملية السلام بشكل ممنهج مستخدماً جنازير دباباته وصواريخ طائراته وأنياب جرافاته التي لم ير فيها السيد بلير سوى تمهيد الطريق إلى طاولة المفاوضات السلمية على ما يبدو من تصريحاته الأخيرة!!
فمن الذي يحتاج إلى تأهيل للعودة للمفاوضات يا سيد بلير؟، هل الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال واجراءاته التعسفية؟ أم المحتل الإسرائيلي الغاشم؟ الذي لم يحترم اتفاقاته ولا القانون الدولي ولا قرارات الشرعية الدولية التي يندد بها ليلاً ونهاراً ومن على منابر الأمم المتحدة نفسها!!
إن هذا السلوك السياسي لرئيس وزراء بريطانيا يلحق العار ببريطانيا أولاً ثم بأوروبا ثانية، خصوصاً وأن بريطانيا أكثر الدول معرفة بتفاصيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأكثرها خبرة في شؤونه، وتتحمل بريطانيا مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية عما آل إليه وضع الشعب الفلسطيني وقضيته، فعلى السيد بلير أن يدرك هذه الحقيقة السياسية والقانونية والأخلاقية وأن يترفع عن دور المسوق للسياسات الإسرائيلية الأمريكية، وأن يرتقي إلى ممارسات رؤساء الوزارات الذين يحترمون دولهم وشعوبهم وعليه أن يكفر عن خطايا بريطانيا الكثيرة المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني وقضيته، لا أن يواصل سياسة «لعبة النفاق السياسي المفضوح» لإسرائيل وللسياسة الصهيوأمريكية التي يتعرض لها العرب والفلسطينيون» إن بريطانيا التي أخذت على عاتقها تهيئة فلسطين من خلال انتدابها عليها لتكون وطناً قومياً لليهود والتي قدمت وعد بلفور في القرن الماضي ونفذته في أكبر صفقة نفاق سياسي شهدها القرن العشرون بين بريطانيا والصهيونية، وبعد أن اصبحت إسرائيل أقوى دولة في منطقة الشرق الأوسط بل الدولة الوحيدة المالكة لأسلحة الدمار الشامل فيها والمهددة للأمن والسلام الدولي على مستوى المنطقة هي التي تحتاج لمن يردعها ويضع حداً لغطرستها ويلزمها بقواعد القانون والتعامل الدولي ويجبرها على احترام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، حتى تتأهل لتكون شريكاً للفلسطينيين وغيرهم في عملية السلام في الشرق الأوسط فعلى السيد بلير وحكومته ادراك هذه الحقيقة السياسية والكف عن سياسة الانحياز الأعمى لصالح إسرائيل.
ولذا فإن رد السيد أحمد قريع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية على تصريحات السيد بلير واعتبارها غير مقبولة بهذا الشأن جاء معبراً عن الموقف الفلسطيني الرافض لقبول هذه التصريحات التي ترتقي إلى درجة الانحياز الكامل للطرف الآخر وتفقد صاحبها دور الوسيط المتوازن والنزيه وبالتالي رفض «الاجتماع المصيدة» والتأكيد على أن الذي يحتاج للتأهيل للمشاركة في عملية السلام هو الطرف الإسرائيلي، وأما ما يحتاجه الطرف الفلسطيني هو «مؤتمر دولي فاعل يهدف إلى التأكيد على الأسس الشرعية التي يجب أن يبنى عليها السلام العادل بين الطرفين وأن يبت في القضايا الجوهرية محل التفاوض أو ما يسمى بقضايا الوضع النهائي من حيث شمول الانسحاب الإسرائيلي من كافة المناطق الفلسطينية المحتلة وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً للشرعية الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة والعمل على مساعدته في بناء مؤسساته الوطنية»، وأما الحديث عن غير ذلك لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت، ومحاولة بائسة من طرف بلير لدفع الطرف الفلسطيني إلى حرب أهلية يسعى ويخطط لها الثنائي شارون وبوش وبالتالي يعفي إسرائيل وأمريكا من جميع الاستحقاقات الواجبة لانجاز السلام الفلسطيني الإسرائيلي ويقذف بالمنطقة إلى دوامة من العنف اللامتناهي والذي قد لا يقتصر على جغرافيا الشرق الأوسط بل قد تكتوي بناره أوروبا نفسها، وهذا ما لا يتمناه الطرف الفلسطيني خاصة والعربي عامة، فلا بد للسيد بلير أن يكون مستقلاً في جهده السياسي عن تصورات ومفاهيم شارون وبوش وأن يتحلى بالشجاعة الأدبية والسياسية وأن يتوقف عن مواصلة سياسة النفاق الممجوجة والمفضوحة للثنائي بوش وشارون، وعدم الكيل بمكيالين والانتصار للقانون الدولي وللشرعية الدولية وللسلام والأمن الدوليين في قضية من أقدم القضايا الدولية وهي القضية المركزية لمنطقة الشرق الأوسط (قضية فلسطين) التي تتحمل بريطانيا الوزر الأكبر في احداثها منذ بدايات القرن الماضي، فهل يستطيع السيد بلير ان يعطي مضموناً ذا أهمية وفاعلية أكثر مما صرح به لمبادرته في عقد الاجتماع الدولي في مارس القادم وتحريك عملية السلام من الجمود الذي وضعها فيه شارون؟ وأن يخرج الحالة الفلسطينية الإسرائيلية من دوامة العنف التي تغذيها سياسات وممارسات الإرهابي شارون وعصاباته من المستوطنين وجيش حربه الذي يواصل التنكيل والقتل اليومي في حق الفلسطينيين؟ وأن يشكل أداة ضاغطة على إسرائيل للكف عن ممارساتها الإرهابية في حق الفلسطينيين ويعيدها إلى طاولة المفاوضات؟
٭ مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية
E_mail:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.