الإعاقة تصنع القوة والثبات

في إحدى قرى شمال محافظة الطائف، تتصدر قصة إنسانية مشرقة حديث الأهالي، بطلتها المواطنة أ. ن، وهي سيدة في أواخر الأربعينات، وُلدت بإعاقة صمٍّ وبكم، لكنها استطاعت أن تحوّل إعاقتها إلى قوة تجعل منها مثالًا بارزًا لصمود المرأة السعودية وقدرتها على مواجهة التحديات بثبات وعزيمة. "الرياض" تروي قصتها، فقبل 24 عامًا، ارتبطت بزوج يعاني الإعاقة نفسها لكنه أفصح منها بنسبة كبيرة، وكانت لغة الإشارة هي الجسر الذي جمع بينهما وأسّس حياة زوجية ناجحة، وعلى الرغم أنها اضطرت للعيش في محافظة بعيدة عن موطنها الأصلي، إلاّ أن الغربة لم تؤثر فيها أو تقلل من عطائها، إذ تمكنت من بناء حياة أسرية مستقرة، وحولت تحديات البعد عن أهلها إلى دافع إضافي للنجاح والتفوّق في مسؤولياتها الزوجية والإنسانية.
وعلى مدى السنين، نجحت في إدارة منزلها ورعاية أسرتها بحب وصبر وقدرة مدهشة، مستندة إلى روح قوية وإيمان عميق بدورها، لتثبت أن الإعاقة ليست عائقًا أمام بناء أسرة ناجحة ومتماسكة.
ورغم الإعاقة، رزقها الله ثلاثة أبناء وبنت سليمين تمامًا من أي إعاقة، ينطقون بطلاقة وفصاحة، ويمتازون بتفوق دراسي وقدرات تواصل عالية، بما يعكس نجاح تربيتها وحكمتها في مواجهة مصاعب الحياة.
الابن الأكبر قال ل"الرياض": إنهم منذ طفولتهم كانوا يشاهدون والدتهم وهي تتواصل مع والدهم بلغة الإشارة، فتعلموها بشكل طبيعي، وأصبحت الإشارة لغة ثانية لنا، ومع مرور الوقت صرنا نتقنها جيدًا، وهذا ساعدنا كثيرًا بعد أن كبرنا وأصبحنا في خدمة والدتنا ونقوم بكل ما تحتاجه.
هذا الوعي المبكر بالتواصل منح الأسرة ترابطًا استثنائيًا سهّل عليهم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية، واليوم، وبعد وصول الأبناء لمراحلهم الجامعية والثانوية، أصبحوا السند الأقوى لوالدتهم، يرافقونها في تفاصيل حياتها اليومية ويحرصون على راحتها بكل ما يستطيعون، يحيطون بها بمحبة كبيرة، معتبرين أن نجاحهم هو امتداد لصبرها وإيمانها وثباتها طوال السنوات الماضية.
ووالدهم، كان شريكًا وفيًا وعضدًا حقيقيًا، تقاسم معها مسؤوليات الحياة، لتتشكل أسرة تجاوزت صعوبات الإعاقة والغربة معًا، لتثبت أن الإرادة أقوى من كل الظروف.
وبين صمت الأم وبلاغة الأبناء، تظهر قصة تستحق أن تُروى، قصة تقول إن الإعاقة ليست نهاية الطريق، وإن الغربة لا تهزم القلوب القادرة على الحب، وإن الإرادة هي اللغة التي لا تحتاج إلى صوت لتُسمع، لقد أصبحت أ. ن نموذجًا يُحتذى به، ورسالة صامتة، لكنها مؤثرة، تعكس أن الإنسان قادر على تحويل التحديات إلى إنجازات، إذا امتلك قلبًا لا يعرف الاستسلام.