يعد نموذج النمو الذي اتبعته اليابان ونجحت فيه وتبعتها في ذلك كوريا الجنوبية والصين قديما ولا يصلح للمرحلة القادمة.. يفترض هذا النموذج أن النمو معياري ويمكن التدرج فيه في تصاعد خطي، متبعا النموذج الذهني للسلم، خطوة خطوة. بالنظر إلى التجارب الفاشلة التي وقفت في منتصف السلم ولم تصل للنهاية، أصبح من الضروري اتباع نموذج آخر تماما. تقع الدول التي اتبعت نموذج النمو المتدرج مثل ماليزيا والأرجنتين في فخ الوسط. تخيل أنك تصعد السلم، عين على العتبة الأخيرة وعين على قدمك، وكلما نظرت أمامك وجدت أن العتبة الأخيرة تبتعد، وكلما أسرعت واقتربت وجدت نفسك تبعد أكثر، كمن يصعد سلما كهربائيا بالعكس. مقارنة بنموذج النمو الخطي، يأتي نموذج التقدم الحدودي في شكل حلزوني، تنمو إلى الأعلى في دوائر تفتر مثل العاصفة. ما يحرك هذه العاصفة المقننة هو هدم خلاق يدار بحكمة من الحكومة ومؤسسات التحول التي تحفز البيئة بأدوات مختلفة.. للوصول إلى حالة التقدم الحدودي نحتاج إلى خمسة أمور: أولا: لابد من استيعاب أحدث التقنيات بسرعة. هدف النمو الحدودي هو تجاوز الحدود باستمرار، لكن لابد أن تستقر أنظمتك وتستمر في التحديث بقدرة تمكنك من الوقوف دائما عند أحدث الأنظمة والمنهجيات. يتبع ذلك الجانب المادي والمعرفي لتطبيق هذه المنهجيات الحديثة بكفاءة. ثانيا: لابد من تحريك المنافسة الحقيقية. في هذه المرحلة يدور ترس الهدم الخلاق ليحرك العاصفة داخليا. ستنشأ قوى الضغط التنافسي التي تدفع الجميع إلى البحث عن حلول جديدة ومن لا يطور تلقي به العاصفة خارج المنظومة. ثالثا، سيبحث الصاعدون في من قلب العاصفة عن حلول ابتكارية للبقاء في ضوء المنافسة القوية، هنا يأتي دور الاستثمار في العلوم وليس التقنية فقط. يتطلب البقاء أن يمد جذوره ليستمد قوته من الجامعات ومراكز الأبحاث. لا يبحث أحد عن الحلول التقليدية، بل اختراقات في الذكاء الاصطناعي، وفي التقنية الحيوية، وفي المواد المتقدمة، وغيرها. تعتاد البيئة ومن بداخلها على الإنفاق في أبحاث ليس مردودها مضمونا، بينما تقف الدولة راعية على الحياد. رابعا، يأتي تمكين الهدم الخلاق. التقدم الحدودي بطبيعته مزعزع للاستقرار. الأنظمة القديمة تذهب وتأتي أنظمة جديدة، وأساليب التنفيذ البالية تسقط وتستبدل بأخرى. لابد لسوق العمل أن يكون مرنا لاستيعاب هذه التحولات المختلفة، مع وجود شبكات حماية كافية للعاملين لإعادة تدوير المهارات. أخيرا: لابد أن تستمر طاقة التقدم الحدودي في الحركة في حلقات صاعدة للأعلى. سيكون المحرك شركات ناشئة تمزج بين الفهم العلمي والتقنية والتجريب التطبيقي. سينجح بعضهم ويفشل أكثرهم، لكن سيحمل الناجحون الفاشلين معهم إلى آفاق جديدة. الفائدة من خريطة الطريق في الخطوات الخمس، أن الاختلاف جذري بين نموذج النمو التصاعدي الخطي والنموذج التصاعدي اللاخطي، وأن الوصول إلى النموذج اللاخطي يتطلب تبنيه من البداية دون المرور بأي نموذج آخر يصعب الخروج منه.