من أهم ما يميز العمل الدرامي ويجعل منه شعورًا دافقًا من الشوق واللهفة لاكتمال أحداثه، هو ما يسمى (التوتر الدرامي) الذي يميز براعة كاتب عن الآخر، وهو ما يطلق عليه (أفق الانتظار)، أي انتظار ماذا يحدث بعد، وهذا يعتمد على براعة الكاتب فيما يسمى (الحيل الدرامية) حتى آخر جملة في العمل نفسه.. غالبا ما يعتقد الكثير من غير المتخصصين، أن كلمة دراما أو درامي تعني الحزن والكدر في الأعمال الفنية، بينما هي غير ذلك، وقد ظلمت كثيرا على ألسنة الكثير وبعض المثقفين أيضا! فكلمة دراما منذ نشأتها -كما تعرفها القواميس- هي فن يُؤدّى على المسرح، أو التلفزيون، أو الراديو، وهو مصطلح يُطلق على المسرحيات والتمثيل بشكل عام، بل وكل الأعمال الدرامية السينمائية والتلفزيونية وغيرها. كما تُعرف على أنّها حدث، أو ظرف مثير، أو عاطفيّ، أو غير متوقع، وتُعرف أدبياً على أنّها تركيب من الشعر أو النثر يهدف إلى تصوير الحياة، أو الشخصية، أو سرد القصة التي عادةً ما تنطوي على الصراعات والعواطف من خلال الحدث والحوار المُصمّم عادةً للأداء فني أو حتى مسرحيّ. والدراما بشكل عام هي ذلك النسيج متجانس الأطراف، جل خيوطه متشكل من حدث يتعاون فيه كل من المؤلف، الممثل، المخرج وفي بعض الأحيان المشاهدون. في تظافر محكم إذا ما اختل منه جزء اختل كل العمل برمته. ولذلك لا نستطيع القول إنها عمل فردي، بل نسيج جمعي يصنعه كل الأطراف والكل مسؤول عن نجاحه من عدمه.. ذلك لأنها كلها تلك للُّحمة المشتركة بين كل الأعضاء، فما هو إلا تلامس حي لأي ظرف في فعل مسرحي يطلق عليه (يحدث هنا، والآن) وعلى القائمين عليه –وخاصة في الدراما التقليدية- أن يجعلوا المشاهدين يوقنون أن ما يحدث هو بالفعل يحدث هنا والآن. وقد أطلق عليه الفلاسفة مشابهة الواقع واختصروا ذلك فيما يسمى بالمحاكاة. والهدف الرئيس أو قل الوظيفة الفعلية لها، ليس المتعة والتعاطف وإثارة المشاعر فحسب، وإنما تهدف إلى التلامس مع الواقع، بل قل استنباتا منه إما لمعالجة قضاياه، وإما لخلق تلك الروح المتسربة بينها وبين المشاهدين لخلق مناخ من المتعة الحسية والمعنوية، وأهمها ذلك ذلك التسرب لاستنتاج ما يطرحه العمل الدرامي من قضايا وهو النبض الداخلي للعمل الفني والمسرحي الذي يستمد منه الحياة بل والخلود في ثنيات التاريخ. ومن أهم ما يميز العمل الدرامي ويجعل منه شعورا دافقا من الشوق واللهفة لاكتمال أحداثه، هو ما يسمى (التوتر الدرامي) الذي يميز براعة كاتب عن الآخر، وهو ما يطلق عليه (أفق الانتظار)، أي انتظار ماذا يحدث بعد، وهذا يعتمد على براعة الكاتب فيما يسمى (الحيل الدرامية) حتى آخر جملة في العمل نفسه. فالحيل الدرامية هي من أصعب ما يواجه الكتاب لكي تكون معقولة ومقنعة.. ذلك لأن تلك المفاجآت المتلاحقة التي تعمل على تقلبات (تحولات البنية الدرامية) الحدث الدرامي عبر الشخوص والأفعال وكل ما يحبك تلك الضفيرة الدرامية، وخاصة في التقلبات الدافقة في البنية الدرامية، وهي النمط الثاني حيث القوة المسيطرة وتقلب وضعها، قد تكون القوة الدافعة شخصية محبوبة تناضل ضد سيطرة قوة مقيتة وتنتصر عليها في النهاية، أو ربما تكون شخصية اتهمت باطلا وفي النهاية تتضح براءتها. فالتحول في علم النفس على التغيير الذي يؤدي إلى نشوء عمليات فكرية مختلفة الطبائع، وفي علم الاجتماع تدل على التغيير الذي يؤدي إلى نشوء أحوال اجتماعية جديدة، مثل صورة فكرية أو مثال ذهني، والملاحظ، أو الفكرة، أو الطريقة، أو فعلة الخديعة البارعة وما ينتج عن الخيال الفني. هذا المجاز الذهني اتخذه النقد الحديث مسارا نقديا مستحدثا، إذا يتناول الناقد العمل على المستوى التنظيري، ويعتمد ذلك على بعدين، الأول: وهو تحديث النقد.. حيث أوضح أن المنطلق الأساسي في هذا التحديث يبدأ عند إعلان الاختلاف مع النقد القديم؛ ولا يتم ذلك سوى عند استمالته إلى النقد الحديث؛ إي إنتاج ما أنتج؛ وذلك عن طريق النزوع التطبيقي إلى محاولة إعادة توازن عملية التنظير ذاتها، إذ إن عملية التطبيق المتسلحة بالمناهج النقدية الحديثة تعمل في نص لا ينفذ بشروط غير زمنية، فهي تعبر فضاء النص بطريقة فوضوية ومنتظمة معا.. أما البعد الثاني فإنه يتصل بطرح إشكالية الاكتفاء الذاتي في الخطاب الفني، وهذا المفهوم لا يسعى إلى القطيعة بين الأدب والواقع، بل إلى تعيين العمل الفني بالنسبة للواقع، بحيث يصبح الواقع محور المدار العمل، ويصبح هو عاريا قائما بذاته من جهة أخرى. ومن هنا ندرك أن مفهوم الحرفية الحقة لإنجاز عمل درامي مبهر، بأنه ذلك الانتقال والتمازج بين المسرحية نصا أو عرضا وبين ما هو قديم ومستلهم، هذا التمازج والانتقال يحكمه ذلك الانتقال الاجتماعي والتاريخي المعاصر للبناء الدرامي وذلك لمعالجته والتمازج معه لنتمكن من الدخول إلى عوالم فنية أو مسرحية، وما يحكمها من تحولات البنية الدامية التي بين أيدينا في العمل نفسه هي التي تحكمها تلك التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافة كونها منتجا فنيا وجبت دراسة تحولاته. ووجبت علينا متابعة هذا التمازج ومتابعة هذه التحولات. فالتحولات الفنية هي صنو الإبداع الإنساني منذ نشأة الفن نفسه، ولا ريب أن كثيرا من المحاولات التي تصدت لتعريف الفن أو تمييزه عن غيره، هو نوع من التفسير، لأننا نحيا عصرا قد تخصصت معظم الفعاليات الإنسانية، على أن الإنسان قديما كان يمارس حياته في سديم مختلط من الممارسة، بحيث أن ما نعده اليوم فنا قديما لم يكن كذلك بالنسبة إلى الإنسان القديم، الذي كان يتعامل معه بوصفه طقسا دينيا أو تعويذة سحرية، أو أداة من أدوات العمل. ولهذا ينبغي أن نحرص على ألا ينسحب تفسيرنا للحاضر على الماضي دون تفرقة بينهما. ولذا فالعمل الفني، بل وكل القائمين عليه من ناسجي تلك الخيوط الحريرية، ألا يعبأوا بتلك التفسيرات وإنما يدعون العمل نفسه يتحدث، لأن هناك عيبا يشوب العمل الفني في بعض الأحيان وهو تسلط الكاتب على سلطة النص فيفرض نفسه عليه فرضا وهو حينما ندرك ما يسمى ب(لسان حال الكاتب) في نوع من المصادرة الفكرية، وهذا لا يصلح العمل الفني بل يفسده.