أغرقت الأمطار الغزيرة آلاف الخيام المنتشرة في مختلف مناطق القطاع، وسط تحذيرات من تداعيات منخفض جوي قطبي قد يهدد حياة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام بدائية منذ أكثر من عام. ويقدر أن القطاع بحاجة إلى أكثر من 300 ألف خيمة ووحدات سكنية مسبقة الصنع لتأمين الحد الأدنى من المأوى، في ظل الدمار الكبير الذي ألحقته إسرائيل بالبنية التحتية على مدى عامين من الحرب. وحذر المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، من مخاطر غير مسبوقة قد يشهدها القطاع مع دخول المنخفض الجوي العميق، مشيرا إلى أن المشهد بالغ الصعوبة في منطقة أنهكتها الحرب وأودت بحياة آلاف الفلسطينيين، وتسببت بانهيار شامل في مختلف القطاعات. في الوقت نفسه، واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث سجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة 738 خرقا للاتفاق، تضمنت نسف مبانٍ في مدينة غزة وبيت لاهيا، وقصفًا جويًا ومدفعيا على رفح وخانيونس، بالإضافة إلى قصف بطائرات كواد كابتر شرق حي التفاح شرقي مدينة غزة. كما أطلقت آليات الجيش نيرانها شمالي رفح وفجرت مبانٍ سكنية في حي التفاح، قبل أن تقدم على نسف مبانٍ أخرى شرقي المدينة، ضمن سلسلة عمليات تدمير تستهدف الأحياء السكنية. من جهته قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن مليون ونصف المليون نازح في قطاع غزة أوضاعاً إنسانية قاسية تُجسّد واحدة من أخطر الكوارث التي يشهدها العالم اليوم. ويشدد على أن مئات آلاف العائلات بغزة تقيم في مئات آلاف الخيام المهترئة بفعل تداعيات حرب الإبادة الجماعية والأجواء والمناخ. ويضيف "اليوم نتحدث عن أكثر من 125,000 خيمة تضررت واهترأت بالكامل وفقدت قدرتها على توفير المأوى والحماية، بينما يحتاج القطاع إلى 300,000 خيمة جديدة لتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين". ويؤكد أنه لم يدخل حتى الآن سوى 20,000 خيمة فقط، أي 7% من الاحتياج الفعلي، واصفًا هذا النقص بأنه "فادح ويضع النازحين أمام ظروف معيشية لا تطاق، في خيام هشّة لا تقيهم من البرد والرياح ولا من الأمطار الغزيرة". ويشير الثوابتة، إلى أن المأساة تفاقمت مع المنخفض الجوي السابق الذي ضرب القطاع، وتحوّلت المخيمات إلى مناطق غارقة بالكامل، وغرقت عشرات آلاف الخيام بما فيها من مستلزمات الحياة الأساسية. ويتابع "التقييمات الأولية للخسائر كانت قد تجاوزت 3.5 ملايين دولار، ما يعكس حجم الانهيار الذي طال بنيات الإيواء المؤقتة والبنية الإنسانية الهشة المحيطة بها". ويبين أن المنخفض الماضي أظهر حجم الضرر الهائل بعد غرق وتلف أكثر من 22,000 خيمة، وتدمّر الشوادر ومواد العزل والبطانيات، وانهيار أماكن إيواء طارئة بالكامل. كما تعطلت شبكات المياه المؤقتة واختلطت المياه النظيفة بالأمطار، وتضررت ممرات مراكز النزوح والمدارس، وانفجرت حفر الامتصاص في عدة تجمعات مكتظة بالنازحين، وفق الثوابتة. وينوه إلى أن المخفض الحالي تسبب بغرق آلاف خيام النازحين في تقييم أولي للخسائر، وأتلف كميات كبيرة من المواد الغذائية داخل الخيام، وتلف فراش وأغطية المواطنين، وتعطلت أكثر من 10 نقاط طبية متنقلة وفُقدت مستلزمات ضرورية. وحسب الثوابتة، فإن الطواقم الطبية تواجه صعوبة شديدة في الوصول إلى المناطق الغارقة. كما يشدد على أن النازحين فقدوا الحد الأدنى من مقومات الحياة داخل المخيمات التي باتت تغرق أمام أعين العالم. كما يقول "إن ما يجري ليس نتيجة عوامل طبيعية فحسب، بل هو نتيجة مباشرة ومنهجية لحصار الاحتلال ومنعه إدخال الخيام، ومواد العزل، وتجهيزات الصرف الصحي، ووسائل التدفئة والطاقة البديلة". وبحسبه، فإن أكثر من 288 ألف أسرة تقف بلا حماية أمام البرد والمطر والمرض، في صورة صادمة تُظهر حجم التقاعس الدولي عن أداء واجباته الإنسانية. كما يؤكد أنه تم المطالبة مراراً بإدخال 300 ألف خيمة وبيوت متنقلة لإنقاذ السكان المدنيين، لكن الاحتلال لم يسمح إلا بكميات محدودة لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات الهائلة والمتزايدة. ويحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة الإنسانية وما ترتب عليها من أضرار واسعة، مشددًا على أن استمرار منع إدخال مستلزمات الإيواء هو جزء من سياسة العقاب الجماعي التي تستهدف المدنيين وكرامتهم وسلامتهم. ويدعو الأممالمتحدة، والجهات الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والدول الوسطاء إلى تحرك فوري وجاد لإلزام الاحتلال باحترام التزاماته الإنسانية، ورفع القيود فوراً عن إدخال الخيام والشوادر ومواد التدفئة والطاقة والمياه والصرف الصحي. ويحذر من أن التأخر في الاستجابة يفتح الباب أمام كارثة أكبر قد لا يكون ممكناً احتواؤها، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته القانونية والأخلاقية تجاه مئات آلاف المدنيين الذين تُسلب حياتهم وكرامتهم يوماً بعد يوم. مراكز "الاونروا " وصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأوضاع بقطاع غزة في ظل المنخفض الجوي ب"التسونامي الإنساني"، الذي يفوق قدرة المؤسسة والمنظمات الدولية، في ظل منع "إسرائيل" إدخال ما يلزم لعمليات الإيواء العاجلة. وقال المستشار الإعلامي للوكالة عدنان أبو حسنة في تصريح صحفي أمس، إن 85 مركز إيواء تديرها أونروا، بها 77 ألف فلسطيني، تتزايد فيها الأعداد بسبب اقتلاع الأمطار والرياح لخيام النازحين خارجها. وأضاف "أيضًا المناطق المحيطة بمراكز الإيواء التابعة للأونروا تتعرض للغرق، وتقوم الوكالة بتصويب للأمطار في تلك المراكز". واستدرك "لكن الوضع كارثي وخطير للغاية، وأونروا تقوم بأقصى ما لديها حسب الإمكانيات الموجودة لديها وتقوم بالإيواء العاجل للنازحين". وأوضح أن لدى "أونروا" آلاف الشاحنات التي تنتظر على أبواب قطاع غزة، بها مئات الآلاف من الخيام والشوادر البلاستيكية والأغطية والمواد الغذائية التي تكفي لثلاثة أشهر، ولكن "إسرائيل" ترفض إدخالها. وتابع "نحن نتحرك في حدود ما نسطيع الحصول عليه من داخل قطاع غزة". وأكد أبو حسنة أن مناطق قطاع غزة لم تعد صالحة تماماً لهذه العشوائية الموجودة في عملية إنشاء الخيام أو وجود الخيام البالية والممزقة، والتي لا تصلح إطلاقاً لحماية النازحين في هذه المخيمات. وشدد على أن "الأمطار التي تهطل الآن على غزة تكشف عن هشاشة وضعف الحالة الإنسانية الخطرة التي يعيشها سكان القطاع". ولفت إلى أن الوكالة تحاول جاهدة داخل وخارج مراكز الإيواء، مضيفًا "ولكن ما يجري بغزة تسونامي إنساني وهو أكبر من قدرات أونروا والمنظمات الإنسانية الأخرى، وهو بحاجة لتدخل إنساني كبير وواسع النطاق". وأشار إلى أن ما يحدث منذ وقف إطلاق النار، خطير على المستويات كافة من نقص الإمدادات والمواد الغذائية، بالرغم من السماح بإدخال بعض الشاحنات، موضحًا أن الأوضاع الصحية والإنسانية صعبة للغاية، وأن مراكز الوكالة الصحية تستقبل يوميًا أكثر من 15 ألف مريض. من جانبها أكدت بلدية غزة أن المنخفضات الجوية تشكل خطرا كبيرا على النازحين والسكان بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية. وقالت في تصريح صحفي صباح أمس، إن الاحتلال الإسرائيلي "دمر أكثر من 85 % من معداتنا ما يعيق عملنا لمساعدة السكان". وطالبت البلدية بضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المواد الملحة إلى القطاع، واصفة المشهد في قطاع غزة بالكارثي بسبب المنخفضات الجوية والنقص الحاد بالمواد الملحة. ومع بدء دخول منخفض جوي عميق المنطقة، أغرقت الأمطار الغزيرة آلاف الخيام في مختلف مناطق قطاع غزة، وسط تحذيرات من تداعياته على حياة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام بدائية منذ أكثر من عام. وأفادت مصادر محلية، بغرق خيام النازحين مع بداية وصول المنخفض الجوي إلى قطاع غزة، وسط ظروف إنسانية بالغة القسوة. وأطلق سكان الخيام نداءات استغاثة للدفاع المدني والبلديات، مطالبين المجتمع الدولي بالعمل على توفير منازل مؤقتة. وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، إن المخيمات ومراكز الإيواء والمباني المتضررة والآيلة للسقوط مهددة بتعرّضها لأضرار جسيمة وانهيارات قد تسفر عن ضحايا، موضحًا أن العديد من مخيمات الإيواء الواقعة في مناطق منخفضة "ستغرق بالكامل" لعدم قدرتها على استيعاب كميات الأمطار المتوقعة. "سوء التغذية" أفادت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسف" بأن مستشفيات قطاع غزة استقبلت منذ بدء وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي آلاف الحالات من الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حاد، في مؤشر خطير على تفاقم الأزمة الإنسانية واستمرار نقص المساعدات الواصلة إلى القطاع. وأظهرت بيانات المنظمة أنه جرى علاج نحو 9300 طفل من سوء التغذية الحاد خلال شهر أكتوبر وحده. وأوضحت المتحدثة باسم اليونيسف، تيس إنجرام، خلال مؤتمر صحفي في جنيف أمس، أن هذا العدد، رغم انخفاضه مقارنة بذروة بلغت أكثر من 14 ألف حالة في أغسطس، ما يزال أعلى بكثير من الأرقام المسجلة خلال فترة التهدئة القصيرة في فبراير ومارس الماضيين، ما يعكس عدم قدرة المساعدات المتاحة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان. وأكدت إنجرام، أن الأوضاع الصحية للنساء والأطفال في غزة تشهد تدهورًا حادًا، مشيرة إلى أن سوء تغذية الأمهات يؤدي إلى ولادة أطفال بوزن منخفض أو خدّج، كثير منهم يفقدون حياتهم داخل وحدات العناية الفائقة، بينما يعاني الناجون من مضاعفات خطرة ونقص شديد في الغذاء. كما كشفت أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال أكتوبر نحو 8300 امرأة من الحوامل والمرضعات المصابات بسوء تغذية حاد، بمعدل يصل إلى 270 حالة يوميًا، لافتة إلى أنه لم تُسجل أي حالات مماثلة بين الحوامل في غزة قبل أكتوبر 2023. وأبدت اليونيسف قلقًا بالغًا إزاء القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المعدات الطبية والأدوية الأساسية، مطالبة بإزالة تلك العوائق فورًا وفتح معبر رفح أمام تدفق المساعدات الإنسانية دون تأخير. المجلس الوطني الفلسطيني قال المجلس الوطني الفلسطيني، إن القيم والمبادئ التي تشكل جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تواجه اليوم اختباراً صعباً أمام جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الممنهجة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. وأوضح المجلس في بيان صادر عنه امس، لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن الشعب الفلسطيني يواجه حرباً مفتوحة تشمل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري، إضافة إلى التدمير الشامل لقطاع غزة، حيث تُسحق الأحياء السكنية فوق ساكنيها ويُفرض حصار جوع وحرمان المرضى والجرحى من الغذاء والدواء والعلاج.