عرفت أخي ورفيق دربي عبدالله عبدالحميد عبدالمحسن البسام -رحمه الله- منذ أن جمعتنا جيرة المنزل، فتوطدت العلاقة بين أسرتينا بعلاقة حميمة، وزادت متانة بصداقة الوالد بوالده -رحمهما الله-، ثم شاء الله أن تمتد بنا الأيام إلى الكويت حيث كنا ندرس معا، وكانت تلك الأيام عامرة بصفاء النفوس، وتقارب البيوت، وانفتاح الأبواب؛ فلا تكلف ولا تصنع، بل مودة صادقة وقلوب بيضاء. وكان مجلسهم في خيطان محل لقاء واجتماع وأنس للأقارب والأحباب، يلتقي فيه الكبير والصغير، وتستعاد فيه أحاديث الماضي، وتنسج بين جنباته خيوط الألفة والود؛ كما كانت رحلاتنا المشتركة للبر والبحر الجليعة محطات تعلمنا فيها الكثير، وزادت من أواصر المحبة، وعززت أجواء الألفة، وكان لها أثر في بقاء المودة على مر السنين، وما الحياة إلا ذكريات؛ وامتدت العلاقة مع الحبيب أبي بكر إلى الشراكة في بعض المشاريع إبان مرحلة الشباب، وكان نعم الشريك. ومما لا أنساه ما كان عند وفاة الوالد -رحمه الله-، وكنت حينها في المرحلة الثانوية وأكبر إخوتي، فرأيت والد عبدالله، العم عبدالحميد، ومعه بعض أصدقاء الوالد جزاهم الله خيرا، يعرضون شراء منزل لنا؛ وقفة وفاء ومساندة في ظرف عصيب، فبادر الأعمام بشكرهم وتولوا الأمر، وبقي ذلك الموقف نقطة مضيئة في ذاكرتي، لا تبهت مع تعاقب السنين. وفي ذكرى الفقيد عبدالله أستعيد زيارتي له في مزرعته في الشام، حين أصر أن أبيت عنده يومين، فرأيت في بيته العامر صورة الرجل على حقيقتها، كرم غير متكلف، ورعاية صادقة، وعمل بيديه؛ فهو من يصلح العطل، وهو من يتفقد المزروعات، كأن بينه وبين الأرض عهد من الألفة والمحبة؛ ولعل مما لا يفوتني، والعزيز عبدالله قد غادر دنيانا، ما رأيته من إحيائه الليل بصلاة القيام، وخشوعه ومناجاته بين يدي ربه. لقد أنعم الله علينا بقرب هذه الأسرة المباركة، فحق لنا اليوم أن نعزي أنفسنا قبل أن نعزي أهله وأبناءه وإخوانه وأسرته كافة، وهذه من النقاط المضيئة التي تدل على عمق اعتزازه بدينه وارتباطه بسير العظام؛ إذ اختار أسماء أبنائه بعناية ومحبة لرموز كريمة من تاريخنا، محمد، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي؛ كأنما يجمع في بيته سير أولئك العظام، قدوة وتيمنا. أستحضر عند فقد هذا الصديق العزيز قول الشاعر: لعمرك ما الرزية هدم دار ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية موت حر يموت لموته بشر كثير رحم الله عبدالله رحمة واسعة، وجعل ما قدم وبذل في موازين حسناته، وأجزل الأجر لزوجته وأبنائه وإخوانه، وربط على قلوبهم، وجمعنا وإياه في مستقر رحمته، في دار لا فراق فيها ولا ألم؛ وما الحياة إلا مواقف وذكريات تبقى ما بقي في القلب نبض.