جاء في معجم (العين): "والجَمَال: مصدر الجَمِيل، والفعل منه جمل يجمل. وقال الله تعالى: "ولكم فيها جَمَال حين تريحون وحين تسرحون"، أي بهاءٌ وحسن. ويقال: جاملت فلاناً مجاملة، إذا لم تصف له المودة، وماسحته بالجميل. ويقال: أجملت في الطلب"، وقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ"، فالجَمَال صفة دالة على الحسن، والبهاء، والشعور بالرضا والارتياح، سواء في الهيئة، أو الطباع، أو الأخلاق، أو التصرفات، أو نحوها. وللجَمَال أنماط، فقد يكون ماديًّا، وقد يكون معنويًّا، وقد يكون نفسيًّا، وقد يكون حسيًّا، وقد يكون فنيًّا؛ لذلك فإنه مصطلح شامل يدخل في مجالات متنوعة: دينية، وثقافية، وعلمية، واجتماعية، وفلسفية، وفنية، وغيرها. وبعض هذه المجالات ترتبط بالذات، أو المادة، أو الحاسة، أو الشعور، أو الوجدان. وبعضها يرتبط بالجانب العلمي التطبيقي، كما هو الحال مثلاً في (النسبة الذهبية) التي يرى أهل الرياضيات أنها ألهمت كثيراً من المفكرين، وعلماء الأحياء، والفيزياء، والهندسة، والفنون، والموسيقا، حتى قيل: إن الفنان الإيطالي (ليوناردو دافنشي 1519م) استفاد من هذه القيمة الجمالية في رسم لوحتيه: (العشاء الأخير)، و(الموناليزا)، كما أفاد منها المصممون كثيراً في أعمال التنسيق، والتزيين، ونحوها. وقد توسّع النّقاد الغربيون في باب الجمالية، فمنحوها أوصافاً من قبيل: (المشاعر اللذيذة – نظريات الفن – جمالية المشاعر – جمالية العلوم – نظرية الجميل – نظرية الفنون – الآداب الجميلة – النقد – الفنون الجميلة – علم الجميل – الاستطيقا – فلسفة الجمال ..)، وقد أشار الفيلسوف الألماني (هيغل 1831م) إلى مثل هذه النعوت في مقدمة كتابه (جمالية Aesthetic) في فصلٍ أطلق عليه (منطلق الجمالية)، وذكر (مارك جمينيز) في كتابه (ما الجمالية؟) إلى أن هذا التصور (الهيغلي) مهّد لمستقبل الجمالية، وأن العصر الذهبي للجمالية خلف العصر الذهبي للفن، فظهرت جماليات متنوعة، كجمالية التلقي، وجمالية القبول، وجمالية التواصل، وجمالية اللغة، وجماليات أخرى كثيرة، تنطلق من مفهوم الجمالية العام. إن الجمال فضاء واسع تسبح في فلكه مدارات كثيرة؛ ولذلك قال أحدهم متحدثاً عن (القيم الجمالية): "ولما كان الإنسان حرًّا مختاراً، فإنه لذلك يختار ما يروقه في محيط حياته، ابتداءً من مسكنه، وملبسه، ومأكله، وانتهاءً باتجاهات فكره، فالجمال لا يقف عند حدود عالم المادة الجامد، بل يتخطاه ويقفز إلى عالم الفكر؛ لكي يلعب دوره في اختيار أجمل الطرق، والمسالك، أي ما يروقنا، وما لا يروقنا من مسارات الفكر. ويتجسد الجمال في حياتنا في آلاف الطرق، والوسائل، فهو موجود في عالم الفكر، والفن، وفي عالم الأدب تبرزه (فنون النثر والشعر) متمثلاً في القوافي المبدعة، وفي فصول القصص الأدبية المثيرة التي تفيض حركة وحياة، وفي أسلوب الأدب الذي يكتبه الأديب الفنان بفيض تجربته، وعاطفته الجياشة التي تمثل أجمل وأغلى تجارب وجوده". ويمكن هنا أن نلفت إلى أبرز المعاصرين العرب الذين اشتغلوا في الحقل الجمالي، وأسسوا لبعض الدراسات في الفلسفة الجمالية، وقاربوها من المنظور النقدي، فمنهم مثلاً: (روز غريب) في كتابها (النقد الجمالي وأثره في النقد العربي)، و(راوية عبد المنعم عباس) في كتابها (القيم الجمالية)، و(عز الدين إسماعيل) في كتابه (الأسس الجمالية في النقد العربي: عرض وتفسير ومقارنة)، وآخرون. د. فهد إبراهيم البكر