وصلت قيمة صناعة الأغذية الصحية في العالم إلى قرابة تريليون دولار في 2024، والمتوقع وصولها إلى تريليون وخمس مئة مليار دولار في 2030، وشركة آيبيس وورلد لأبحاث السوق لاحظت أن هامش الربح في الأغذية الموصوفة بالصحية يزيد على 35 %، بينما لا يتجاوز الهامش في الأغذية العادية ما نسبته 15 %.. شركات الأغذية العالمية تتاجر بأحلام الناس، وتستغل رغباتهم في الصحة الجيدة والأعمار الطويلة، وذلك عن طريق اقتراح خيارات غذائية عليهم، تقول إنها ستبعدهم عن الأمراض المزمنة، وعن السمنة المفرطة، وتكاليف علاجها، وستجعلهم من المعمرين، وهذه الأغذية تقدم للمستهلك في شكل عضوي، أو بدون سكر، أو خال من الغلوتين، ونشرت مجلة بريتش ميديكال في 2023، أن الفارق بين المنتجات العضوية والتقليدية، قد لا يكون مؤثرا مثلما يعتقد، فما نسبته 60 % من الأغذية التي تصنف باعتبارها صحية في أميركا تحتوي على معدلات عالية من السكر والصوديوم والدهون المشبعة، وبحسب منظمة الفاو الأممية، تزيد كلفة إنتاج الأطعمة العضوية بنسبة 40 %، مقارنة بالأطعمة العادية، والمسألة في رأي المختصين المحايدين اقتصادية وليست صحية، وهو افتراض أتفق معه تماماً. فقد وصلت قيمة صناعة الأغذية الصحية في العالم الى قرابة تريليون دولار في 2024، والمتوقع وصولها إلى تريليون وخمس مئة مليار دولار في 2030، وشركة آيبيس وورلد لأبحاث السوق لاحظت أن هامش الربح في الأغذية الموصوفة بالصحية يزيد على 35 %، بينما لا يتجاوز الهامش في الأغذية العادية ما نسبته 15 %، وأظهرت دراسة صادرة عن كلية هارفارد الأميركية للصحة العامة أن تكلفتها على الشخص الواحد في المتوسط ترتفع بحوالي دولار ونصف الدولار عند مقارنتها بالأطعمة التقليدية، وبما إجماليه 550 دولارا في كل عام، والمؤسسات الصحية والمدارس وشركات التأمين أصبحت تسوق لبرامج غذائية تركز على ما يعرف بالأطعمة الوظيفية، التي يقال إنها تؤمن حماية ضد الأمراض، وتعمل على تعزيز الطاقة والتركيز، وربما كان السابق صحيحا جزئيا، فلا يمكن التسليم بصحته المطلقة لأسباب كثيرة. ماريان نيستل، أستاذة التغذية في جامعة نيويورك، تناولت في كتابها "سياسات الغذاء" المنشور عام 2002، تأثير هذه الصناعة على الاقتصاد العالمي، وقالت إن شركات الأغذية في أميركا تضغط على المسؤولين بوسائل مختلفة لتسويق مننجاتها الغذائية السيئة على الأطفال، وأنه عندما يرتبط الأمر بالإنتاج والاستهلاك الضخم للغذاء تكون القرارات الاستراتيجية مرتبطة عضوياً بالمصالح الاقتصادية، وليس بما يحفظ الصحة العامة للأشخاص، ويرجح المختصون أن شركات الأغذية تحاول باستمرار التشكيك في الحقائق العلمية عن الأطعمة الضارة، من خلال التمسك بالمسؤولية الاستهلاكية لآحاد الناس، وأنهم وحدهم المسؤولون عن قراراتهم المتعلقة بالاستهلاك، ما داموا قد حصلوا على المعلومات الكافية عن الأضرار والمنافع، وعلى طريقة الإعلان التحذيري الخارجي الموجود على علبة السجائر، ولكنها في حالة التدخين مثلاً تحمل الدول مبالغ مليارية لعلاجهم وكفالة أسرهم، وبالتالي فمن حق من يتحمل فاتورة الضرر النهائي أن يقرر السياسات المناسبة له، ولهذا جاءت قيود وضرائب التدخين المعروفة. البروفيسور تيم سبيكتور، أستاذ علم الأوبئة الجينية بكلية كينغز كوليدج البريطانية، تكلم في كتابه "ملعقة الطعام" عن 23 معلومة مغلوطة عن النظام الغذائي، يظن الناس أنها صحيحة، من أبرزها: صلاحية أنظمة الحمية لكل أحد، والتأثير الإيجابي للمكملات الغذائية على الصحة، وأن الإفطار هو الوجبة الأهم في اليوم، والدور الأساسي للدهون المشبعة في الإصابة بأمراض القلب، واستنادا لما قاله، فإن شركات الأغذية متعددة الجنسيات أثرت على خبراء التغذية عن طريق الهدايا ورعاية الأبحاث، وقامت بتمويل أعداد ضخمة من أبحاث التغذية، ما انعكس على مصداقية المعلومات التي تقدمها، وفي رأيي الشخصي، إذا قرأت نصيحة غذائية عن منتجات معينة افعل عكسها، لأنها مصممة، في الغالب، لتعظيم أرباح الكيانات الغذائية الكبيرة. من الأمثلة على ذلك، أنه في خمسينات القرن العشرين انتشرت أمراض القلب التاجية في أميركا، وكثر الكلام عنها عالمياً، نتيجة لإصابة الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور بجلطة في القلب عام 1955، وأجريت أبحاث عن علاقتها باستهلاك السكر والدهون في الوجبات السريعة، وقامت مؤسسة أبحاث السكر في أميركا برعاية مشروع بحثي حول الموضوع، نشرت نتائجه في مجلة نيوانغليند جورنال أوف ميدسن عام 1965، وتم فيه التركيز على الدهون والكوليسترول، بوصفهما المسبب الأول لهذه الأمراض، ولم يعطَ اهتمام لدور السكر فيها، ما حمل المشكلة على الدهون وحدها، وقاد شركاتها لصناعة منتجات قليلة الدسم أو خالية منه، كحل توفيقي ومربح معاً. كشفت دراسة قامت بها وكالة بلومبيرغ، ونشرت في 2023، أن نحو 80 % من الأطعمة التي تقدمها بعض العلامات التجارية للأغذية ليست صحية، ويدخل فيها منتجات لشركات معروفة، فقد قامت منظمة الحملة العالمية للرقابة على الملح والسكر والصحة بفحص منتجات هذه الشركات، في أستراليا وفرنسا والمكسيك، ولاحظت أن منتجاتها التي بيعت لم تكن صحية، باستثناء شركة واحدة، ويجوز أنها مولت الإجراء الرقابي ضد منافسيها، وسجلت إحدى الشركات الدرجة الأسوأ، وأخفقت في الوصول إلى الحد المعياري الأدنى في المكسيك.. ولعل ما سبق يمثل أساسًا يمكن البناء عليه نسبياً، وتحديداً في إصدار الأحكام الصحية على الأغذية المنتجة داخل وخارج الأراضي السعودية.