الإنجازات التي تحققت كانت نتاجًا طبيعيًا لسياسات إبداعية انطلقت من أبعاد تاريخية، حملت معها المبادئ والقيم التي رسمها القادة عن السعودية قلب العالم العربي والإسلامي عبر التاريخ، وأثبتتها زيارة سمو ولي العهد التي لا يمكن وصفها إلا أنها الفوز الاستراتيجي الأكبر للسعودية خلال القرن الحادي والعشرين.. ليس هناك من وصف دقيق لهذه الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد إلى واشنطن سوى وصفها بالفوز الاستراتيجي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالشرق الأوسط الذي أتى منه سمو ولي العهد يعيش مخاطر جيوسياسية متزايدة تتضاعف فيها المصالح العالمية، وتفتح الفرص للشراكات الثنائية وتعزيزها، فمن خلال التأكيد المتزايد على العلاقة التاريخية التي تربط بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية كان مشهد الزيارة نموذجاً حديثاً لذلك اللقاء التاريخي الذي حدث بين الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبدالعزيز -رحمه الله- بذات الأبعاد الاستراتيجية. الفوز الاستراتيجي الذي حققه سمو ولي العهد في هذه الزيارة متعدد المسارات؛ فقد حصلت السعودية على كل ما تريد؛ فحصلت على الاتفاقات التي خططت أن تحصل عليها، وحصلت على تصنيفها كحليف أساسي من خارج منظمة حلف شمال الأطلسي، وكانت الإشارات واضحة على أن الإنجازات تتحقق منذ البداية في هذه الزيارة حيث كان الاستعراض الجوي بطائرات (F-35) مؤشراً أولياً على أن الإنجاز تحقق وسوف تباع هذه الطائرات للمملكة العربية السعودية بجانب الصفقات الخاصة بالاتفاقات العسكرية والطاقة النووية السلمية، والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، والمعادن الحيوية وغيرها من القضايا التي أنجزتها هذه الزيارة التاريخية. الفوز الاستراتيجي في هذه الزيارة عكسته تلك الأجواء التي عاشها البيت الأبيض خلال يومين، لقد كان الرئيس ترمب حريصا على أن يتابع كل تفاصيل هذه الزيارة بدقة، فهو يدرك أن التناسب الطردي بين الفرص التي تقدم في أميركا وتعزيز هذه العلاقة سيكون لها مستثمرين جادين، لذلك أدرك ترمب أنه يتعامل مع وجه جديد للمملكة العربية السعودية ومعادلات خارج المعتاد، فولي العهد ذهب إلى واشنطن برفقة عدد هائل من الحكومة السعودية ورجال الأعمال والمستثمرين في رسالة واضحة أن السياسة السعودية اليوم هي الأكثر استثماراً للفرص الاستراتيجية التي يمكن أن تقدمها الدولة الأهم في العالم، الولاياتالمتحدة الأميركية. الاتفاقات التي فازت بها هذه الزيارة سواء العسكرية أو التكنولوجية أو الاستراتيجية أو الاستثمارية هي في حقيقتها تفكير استراتيجي بعيد المدى، فالسعودية التي تبنت رؤيتها تقليل الاعتماد على النفط تدرك أن الدخول في الخيارات الأخرى يتطلب التفكير والتنفيذ واعتماد منهجيات جديدة، فالعالم اليوم لا يمكن التنبؤ بتقلباته في الجغرافيا السياسية، فالحروب والصراعات تبدأ ثم تتوقف ثم تبدأ أخرى ثم تتوقف؛ وهذا يعنى أن فرص الاستقرار في الدول تتطلب تنويع المصادر والتركيز على التحالفات طويلة المدى التي يمكن من خلالها رسم مسارات متوازية للتفوق الاقتصادي عبر الطرق التقليدية والوسائل الحديثة. ثلاثة سيناريوهات استراتيجية صنعتها هذه الزيارة وكلها حدثت بلا استثناء، فالسعودية التي كان ينظر إليها أنها ستواجه الكثير من الأزمات بعد أحداث الربيع العربي، فبعد عقدين من الزمان على تلك الأحداث تثبت السعودية أنها قادرة على أن تقلب الطاولة وتتفوق على التحديات، فالإنجازات غير المسبوقة التي حققتها الرؤية السعودية هي ما سطرته هذه الزيارة التي فازت بالمعاهدات والشراكات والتحالفات العسكرية، لذلك فإن سيناريو التحدي تم استبداله بحضور دولي وعالمي شهدته هذه الزيارة وسوف يظل حديث العالم مستقبلا حول كيفية تحول الدول والانتقال إلى مواقع التطور والتنمية عبر إنجازاتها. السيناريو الثاني يدور حول مدى قدرة السعودية على الوقوف في وجه التعنت الإسرائيلي والضغط الأميركي حول القضية الفلسطينية، لقد استطاع سمو ولي العهد تحقيق الفوز الاستراتيجي الأهم في تاريخ القضية الفلسطينة عندما أشار إلى الرئيس ترمب في وسط البيت الأبيض بأنه لا بد من مسار واضح يضمن قيام الدولة الفلسطينية، هذا السيناريو أثبت أن قيم الدول ومبادئها لا تتغير مهما كانت الظروف حيث كانت السعودية وما زالت هي الحصن الأكثر مناعة للقضية الفلسطينية. السيناريو الثالث ارتبط بمركزية الدولة السعودية ومسؤوليتها الدائمة عن العالم العربي والإسلامي وصناعة القرار فيهما، لقد حملت السعودية هموم إخوانها العرب في كل مكان، لقد كان هذا السيناريو مرتبطا أن السعودية أصبحت أكثر براغماتية لذاتها دون الآخرين ولكن الموقف السعودي في سوريا والسودان والعلاقات مع إيران كلها أثبتت أن السعودية هي دائما حجر الزاوية في الشرق الأوسط. لقد صنع سمو ولي العهد الفوز الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية التي تحولت إلى حدث عالمي غير مسبوق فالإنجازات التي تحققت كانت نتاجا طبيعيا لسياسات إبداعية انطلقت من أبعاد تاريخية حملت معها المبادئ والقيم التي رسمها القادة عن السعودية، قلب العالم العربي والإسلامي عبر التاريخ، وأثبتتها زيارة سمو ولي العهد التي لا يمكن وصفها إلا أنها الفوز الاستراتيجي الأكبر للسعودية خلال القرن الحادي والعشرين.