السعودية ووفق رؤيتها بقيادة ولي العهد أثبتت أنها تسعى إلى تبني سياسات واضحة فيما يخص مستقبلها ومستقبل المنطقة، ولكن بشرط أساسي يقوم على عدم عزل المنطقة عن العالم وتركها لمشكلاتها وتعقيداتها دون مساهمة مباشرة من القوى الدولية الفاعلة، ولذلك سيكون من الطبيعي أن تنتج هذه الزيارة الكثير من التوافقات بين الرياضوواشنطن.. في وسط عمليات متباينة للمشهد الإقليمي، وعقب مرحلة معقدة ومتطلبات جديدة للمنطقة تستوجب عمليات مستحدثة لهندسة إقليمية فاعلة، تأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن؛ التي تسعى إلى استثمار تحالفاتها التاريخية عبر العقود للعب دور متزايد، ولكن هذه المرة الأدوات تقفز عبر التعامل المباشر مع الدول الفاعلة في المنطقة والتي يمكنها أن تعيد هندسة المنطقة لصالح فكرة السلام والاستقرار، والسعودية هي الأكثر تأهيلاً للعب هذا الدور وليس هذا ترشيحا سياسيا بقدر ما هو معتمد على النهج السعودي خلال السنوات الماضية والذي تفسره التوجهات السعودية نحو بناء السلام وبناء الفرص وخفض التصعيد بالمنطقة. توجهات سمو ولي العهد تدفع نحو التعامل مع الواقع بطريقة برغماتية متوازنة لا تضيع الجهود بينما هي تسعى إلى تحقيق نتائج فاعلة دبلوماسيا من خلال مسار سعودي واضح يعتمد البرغماتية التي تركز على الجوانب الاقتصادية والسياسية وصناعة التوازنات التي تساهم في تنامي سياسة التوزان القائمة على تنويع الشراكات مع كل الفاعلين الدوليين، وهذا يعني أن معايير تقييم زيارة سمو ولي العهد إلى أميركا لابد أن تنطلق من فهم واضح للتوجه الاستراتيجي السعودي القائم على تحقيق التوازنات وتفعيل النهج البرغماتي دون إخلال بالقضايا الأساسية في المنطقة والخاصة بصناعة السلام والاستقرار. تدرك السعودية بقيادة سمو ولي العهد الذي يلتقي الرئيس ترمب أن هناك ضرورة واضحة على المستوى الإقليمي والدولي للوصول إلى نهاية النفق في مسار السلام في المنطقة، ولكن ذلك يعتمد على هندسة دبلوماسية تنتزع فتيل الأزمات وعلى رأسها تهيئة الأرض في المنطقة إلى دبلوماسية واضحة لا تستثني دولة من دول المنطقة من أجل الاتفاق على معايير وقواعد الاستقرار التي يجب أن تتحقق، فلا يجب أن تكون هناك دولة يمكنها البقاء كمتغير ثابت في اللعبة الإقليمية، بمعنى دقيق لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع المنطقة دون وعي كامل بدورها عبر الاعتراف بالحق العربي والفلسطيني. وجود سمو ولي العهد في أميركا يعني صناعة ممر سياسي واقتصادي مبني وفق رؤية استراتيجية تعتمد استثمار الفرص والمزايا الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية السعودية واستخدامها كأوراق فاعلة قابلة للاستخدام لتحقيق الإنجازات؛ سواء على المستوى الداخلي السعودي عبر مشروعات رؤية 2030 أو المستوى الإقليمي عبر تأكيد المسارات العادلة في قضايا المنطقة، ومن هذه المنطلقات تدرك واشنطن أن السعودية التي أصبحت صانع القرار في المنطقة تهدف إلى إنجاز هندسة إقليمية تُخرج المنطقة من الدوران السياسي الذي يعيد القضايا إلى المربع الأول دون تحقيق إنجازات معتبرة. الحالة العربية ورفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية عائق أساسي، فإسرائيل يجب أن تتخلى عن ردودها المفرطة التي تساهم وبشكل مستمر في استحالة تحقيق الاستقرار الإقليمي، فالمواقف السعودية خلال المرحلة الماضية هي تعبير مباشر عن ضرورة تجاوز هذه الحالة الإسرائيلية التي تشكل عائقا مستمرا في تحقيق السلام، هذا التعنت الإسرائيلي هو ما خلق الحالة المتغيرة في المنطقة، وهو ما ساهم في استمرار هذا الوضع المتقلب للمنطقة، ومع ذلك فقد خلقت أحداث السابع من أكتوبر منعطفا جديدا حول الرؤية الدولية للقضية الفلسطينية. مع كل الاتفاقات التي سوف تنتجها زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لصالح المملكة العربية السعودية إلا أن الأهمية تكمن في قراءة البعد الاستراتيجي الذي يحمله سمو ولي العهد عندما يحل في واشنطن، فالمعادلة السياسية التقليدية في العلاقات والتحالفات بين السعودية وأميركا تتغير ويضاف إليها معايير جديدة، فالمعطيات الاستراتيجية للدول لم تعد جيوسياسية فقط، فالعالم اليوم يذهب إلى واقع مختلف تتحكم فيه برغماتية متوازنة، بجانب تطور مثير لأدوات النفوذ والتأثير، حيث تسعى الدول إلى امتلاك معايير جديدة على رأسها التكنولوجيا والتقنية الصناعية وأدواتها التي يشهد العالم تطورها وقدرتها على التأثير المباشر في جميع الدول دون استثناء. السعودية ووفق رؤيتها بقيادة سمو ولي العهد أثبتت أنها تسعى إلى تبني سياسات واضحة فيما يخص مستقبلها ومستقبل المنطقة، ولكن بشرط أساسي يقوم على عدم عزل المنطقة عن العالم وتركها لمشكلاتها وتعقيداتها دون مساهمة مباشرة من القوى الدولية الفاعلة، ولذلك سيكون من الطبيعي أن تنتج هذه الزيارة الكثير من التوافقات بين الرياضوواشنطن، هذه الاتفاقات ستكون مبنية على معادلة واضحة طرفها الأول السعودية محور القرار العربي والفاعل الأكثر ثقة وديمومة في الشرق الأوسط، أما الطرف الثاني للمعادلة فهو أميركا الحليف الاستراتيجي للمنطقة والقوة الدولية القادرة على إحداث التغيير الفعلي حيث أدرك الرئيس ترمب في فترته الثانية أن معايير التعامل مع المنطقة أصبحت خاضعة للمراجعة وإعادة التقييم.