الترجمة في السياق الديني من لغة إلى أخرى تتسم بالحساسية، وتواجه تحديات لغوية وثقافية وفلسفية، في نقل المفاهيم بدقة مع الحفاظ على السياق الأصلي، حيث تتطلب الترجمة الشرعية المعرفة والفهم العميق للنصوص الدينية، والكفاءة اللغوية، والأمانة العلمية، والمهارة اللغوية المتخصصة، والالتزام الدقيق بالنص الأصلي. فاللغة لا تنفصل عن السياقات الثقافية والتأويلية، وهذا يقتضي الوعي بمحدودية المصطلحات والمفاهيم عند الانتقال من لغة إلى أخرى، مع ما يستتبع ذلك من نقلة ثقافية ودلالية، وقد تطرق إلى هذه المسألة الدكتور رفيق عبدالسلام في كتابه «آراء جديدة في العلمانية والدين والديمقراطية» والذي هو في الأصل جزء من أطروحته للدكتوراة «الإسلام والعلمانية والحداثة» والذي أعاد صياغة الجزء الأول منها في هذا الكتاب. حيث ينظر إلى أن كلمة دين، مثلا، في اللغة العربية. يقابلها في اللغات الأوروبية كلمة religion، ولكن هذه الترجمة مع ذلك تظل قاصرة ولا تفي بمعنى الدين والديني في سياق اللغة العربية والثقافة الإسلامية على وجه الدقة. فالمفاهيم هي بشكل أو بآخر نتاج الفضاء الثقافي والوعاء اللغوي وأنماط الحياة التي انصهرت ضمنها، وقد سبق لابن تيمية أن انتبه إلى هذه الإشكالية منذ وقت مبكر، وذلك في معرض رده على ادعاء الغزالي أن علم المنطق اليوناني آلة كونية ومحايدة تعصم الذهن من الخطأ بحسب تعبيره، مبينا أن المنطق اليوناني وعلى نحو ما قعد أصوله أرسطو في علم القياس ليس إلا استخراجا غير واع من نظام الثقافة وبنية اللغة اليونانيين، بما يجعل من التعسف إضفاء طابع الكونية والحيادية على هذا العلم، على نحو ما ادعى الغزالي. أما كلمة Religion المستخدمة في جل اللغات الأوروبية تقريبا فتعود جذورها إلى أصول رومانية وثنية، قبل أن تنتقل لاحقا إلى الاستخدام المسيحي، ومنها إلى بقية اللغات الأوروبية. فقد كان الرومان يطلقون على ممارسة طقوسهم وشعائرهم الوثنية كلمة Religio. وحينما قام سان جيروم بترجمة الإنجيل إلى اللاتينية في أواخر القرن الرابع الميلادي، نقل مع هذه الترجمة كلمة Religion على نحو ما استقر عليه المعنى الأصلي في البيئة الرومانية، وأصبح المصطلح يحيل إلى الصلوات والأدعية وما يرتبط بها من طقوس وشعائر مسيحية تمارس في الكنائس وتشرف عليها طبقة القساوسة والرهبان، وذلك على منوال الطقوس والشعائر التي كانت تمارس في المعابد الوثنية الرومانية وتتصدرها طبقة الكهنة. وبهذا المعنى فإن مفهوم Religion وعلى نحو ما هو مستخدم في السياق المسيحي الكنسي، لم يخرج عن الخطوط العامة للتصور الوثني الروماني، بل إنه مفهوم روماني مسيحي. أما إذا انتقلنا إلى السياق العربي الإسلامي فإن كلمة ديني تتجاوز الجانب الحصري للصلوات والأدعية الممارسة في المجال الديني لتشمل مجالات تعبير وسلوكا أوسع مدى. ورغم أن مفهوم الديني شديد الصلة بالغيب إلا أنه لا يتطابق ضرورة مع الروحاني والغيبي على نحو ما توحي بذلك التسمية الأجنبية، فهو أوسع نطاقا من ذلك، فالديني ضمن السياق القرآني وعلى نحو ما هو مستخدم في الخطاب الفقهي عموما يرتبط بمختلف مواقع الحياة، أي هو شرعة ومنهج بالتعريف القرآني. كما أن مفهوم العبادة في التصور الإسلامي العام لا ينحصر فقط في الشعائر الدينية بقدر ما هو سلوك انبث في مختلف مواقع الحياة، ومن ثم لا تنفصل حركة العبادة في المسجد عن حقل الاقتصاد، وعالم السياسة، والعلاقات العامة.