تتغلب علينا مشاعرنا في تقييم من هم حولنا، سواء جمعتنا بهم قرابة عائلية، أو كانوا أصدقاء، أو حتى زملاء، نحاول قدر الإمكان أن نظهر أمامهم كأشخاص مثاليين، وملتزمين، وليت الأمر يقف على ذلك، بل نريدهم أن يكونوا نسخة (طبق الأصل) منّا، بحيث يخلصون لنا بِقَدر إخلاصنا معهم، وهذا أكبر خطأ!. أحدهم يقول: «ليت صديقي يلتزم في المواعيد مثلي»، ودكتور جامعي يتمنى أن تكون شريكة عمره بالفكر نفسه الذي يتعامل به مع الحياة، وشاب رفع يده إلى السماء بأن يكون مولوده البِكر ذو صفات لا تبتعد كثيراً عنه!. وخلق الله -سبحانه وتعالى- البشر، وجعل لكل فرد خصائص ومميزات تختلف عن الآخر، بل حتى الأشقاء قد يجمعهم اسم الأب، لكن تجد لكل واحد منهم صفات خاصة به، وقد تتساءل عندما تشاهدهم: «معقولة الاثنين أشقاء؟»، وهو ما يؤكد أن كل من يعيش على هذه الكرة الأرضية له طريقة معينة في التعامل مع الآخرين، ولا يمكن أن يتشابه الجميع في كل شيء. ومن يشاهد عشّاق العتب و»التشرّه» يلحظ أن أغلب مشاكلهم أنهم لا يقبلون من الطرف الآخر أي زلّة، أو تقصير، يحاولون أن يكونوا هم (الصح) وغيرهم (خطأ)، وقد تهتز علاقاتهم كثيراً، ومن الممكن أن تكون الحلقة الأخيرة مع أحبابهم بعنوان: «ليش ما تعاملونا مثل ما نعاملكم؟». إن الشخص العاقل المتزن هو من يدرك جيداً أن أي علاقة مهما بلغت من الاحترام والتقدير والعِشرة الطيبة، لابد أن يشوبها الفتور، والهدوء، وأنه لا فائدة من أن أطلب من أي شخص أن يكون مشابهاً لي في تفاعلي معه، أو مخلصاً في كل الأوقات، وإن حدث ذلك، فهذا دليل على ارتفاع نسبة المجاملة بين الطرفين، ولا فائدة من علاقة تُبنى على ذلك، والنهاية حتماً ستصبح أضعف، بل وأتفه مما نتخيّل. دعوا الأشخاص يعاملونكم بما يرغبون، ولا تثقلوا عليهم بالزعل وكسر الخواطر، ولا تطلبوا منهم أن يكونوا نسخة طبق الأصل منكم، اتركوهم يحبونكم بطريقتهم، ويخلصون لكم بأساليبهم، ويفرحون برؤيتكم عبر مشاعرهم الحقيقية، فالأهم أن يدوم الوصل والوفاء بينكم، وكذلك التقدير والعطاء.