نرجع قليلًا إلى الوراء، إلى موسم 2019، حين شهدت الساحة الرياضية السعودية جدلًا واسعًا بسبب القرارات المتناقضة التي صاحبت جدول الدوري آنذاك. ففي الوقت الذي استمر فيه الدوري السعودي أثناء مشاركة المنتخب الوطني في إحدى البطولات الدولية، توقّف أثناء إقامة البطولة الأفريقية، بحجة وجود عدد من اللاعبين المحترفين المشاركين فيها مع منتخبات بلدانهم. ذلك القرار أثار استغراب الشارع الرياضي، وخلق حالة من الانقسام بين الجماهير والإعلام، خصوصًا وأن بعض الأندية المنافسة فقدت لاعبين مؤثرين في فترة حساسة من الموسم، ما انعكس على نتائجها ومسارها التنافسي. اليوم، وبعد مرور أعوام قليلة، يبدو أن المشهد يعيد نفسه، ولكن بصورة مختلفة، فقرار استمرار الدوري أثناء إقامة كأس الأمم الأفريقية يعيد للواجهة ذات التساؤلات القديمة، بل ويعمّق الشكوك حول عدالة القرارات وجدواها (كما تردد بعض الجماهير). عدد من الأندية السعودية تعتمد بشكل كبير على لاعبين أفارقة يشكلون العمود الفقري لتشكيلتها الأساسية، واستمرار المنافسات في غيابهم يعني حرمانها من أهم عناصرها، في وقت لا يمكن فيه تعويضهم بسهولة، لا فنيًا ولا تكتيكيًا. يطرح الشارع الرياضي تساؤلات مشروعة: لماذا توقّف الدوري في موسم 2019 عندما كانت البطولة الأفريقية قائمة، واليوم يستمر رغم الظروف ذاتها؟ هل تغيّرت المعايير أم أن المصالح تغيّرت؟ وهل العدالة التنافسية أصبحت انتقائية حسب الظروف والجهات المستفيدة؟ (يتساءل البعض). الرياضة في جوهرها قائمة على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وأي خلل في هذا التوازن ينعكس سلبًا على نزاهة المنافسة ويُضعف الثقة في المنظومة. حين تخوض بعض الفرق مباريات حاسمة وهي تفتقد أبرز لاعبيها، بينما تحتفظ فرق أخرى بكامل عناصرها، فإن النتيجة ستكون بطبيعة الحال غير عادلة مهما كانت المبررات التنظيمية أو اللوجستية. الأمر لا يتوقف عند حدود الأندية فحسب، بل يمتد إلى الجماهير التي ترى في هذه القرارات تناقضًا لا يمكن تفسيره بسهولة. جمهور عاش مواسم كاملة يطالب بالعدالة في الجداول والمواعيد وتكافؤ الفرص، يعود اليوم ليجد التاريخ يعيد نفسه ولكن بوجه آخر. فإما أن تكون اللوائح واضحة وثابتة تُطبّق على الجميع دون استثناء، أو سنبقى ندور في دائرة الجدل والشكوك كلما تغيّرت الظروف والمصالح. إن احترام مبدأ العدالة التنافسية لا يقل أهمية عن جودة التنظيم أو جاذبية المسابقات، فالرياضة لا تزدهر إلا بثقة جمهورها وعدالة قراراتها، ويبقى السؤال الذي لم يُجب عليه أحد حتى الآن: لمصلحة من تُصاغ مثل هذه القرارات المتناقضة؟ وليد بامرحول