يحكي السيد محمد ناصيف قصته التي حصلت قبل أكثر من 25 عاماً عندما كان يدير مصنعاً للدهانات في السعودية. مع نمو حجم الأعمال والإنتاج تم اتخاذ قرار بتأسيس معمل لمراقبة الجودة داخل المصنع. وتم التعاقد مع شركة استشارية متخصصة وجاء الاستشاري الأجنبي في المجال الهندسي وعرض التصاميم المقترحة ووافقت عليها الإدارة، وبدأ الاستشاري يشرح على أرض الميدان أين سيكون المعمل وتصميم وموقع باب المعمل وباب الطوارئ. وفجأة ودون سابق إنذار شق الصمت صوت عامل بسيط من جنوب آسيا اسمه محمد خان والذي راح يناقش مدير المصنع بأن موقع باب المعمل وباب الطوارئ الذي اقترحه الاستشاري سيعرض العاملين في المصنع للخطر. وأخذ العامل خان بيد مديره ليشرح له المخاطر الجسيمة المترتبة على الموافقة على مقترح الاستشاري. سعد مدير المصنع بهذه المبادرة من العامل البسيط خان وطلب منه أن يشرح وجهة نظره للاستشاري وقيادات الشركة. وفعلاً راح خان يشرح وجهة نظره بكل ثقة ورباطة جأش. ولم يجد الاستشاري بداً من الاعتراف بخطئه. وما كان من المدير إلا أن خصم مبلغاً من مكافأة الاستشاري ومنحها للعامل خان الذي تم تكريمه وتعليق صورته في المصنع ومن ثم ترقيته إلى مشرف عمال. ما شدني في هذه القصة هو شجاعة العامل البسيط وغيرته على المنظمة التي يعمل معها وحرصه على سلامة زملائه. ورغم تواجد حوالي 500 موظف وعامل في المصنع بعضهم في مراتب قيادية عليا لم يجرؤ أحد على أن يتحدث ويقرع ناقوس الخطر إلا هذا العامل البسيط. وكم تحتاج المنظمات إلى أمثال محمد خان والذين بوجودهم يتم منع وقوع الكثير من الأزمات والخسائر المختلفة. النقطة الثانية هي المدير الذي استمع لكلام العامل البسيط وجعل القوة والصلاحية للمنطق وليس للمنصب. وهذا ما ساعده على اتخاذ القرار الصحيح. في الكثير من المنظمات يشتكي المديرون والتنفيذيون من الانشغالات ولا يستمعون لمن حولهم ناهيك عن الموظفين البسطاء. ومن المهم أن يكون لدى المنظمة القدرة على الاستماع لآراء وملاحظات الجميع ودراستها وتطبيق الجيد منها للمصلحة العامة. النقطة الثالثة هي الاستشاري الشجاع الذي اعترف بخطئه ولم يكابر. وكم هنالك من أشخاص مرضى في سلوكياتهم يستطيعون تحميل الكون مسؤولية فشلهم دون تحمل أدني مسؤولية عن إهمالهم وأخطائهم. ربما كانت حجة العامل محمد خان قوية ومع ذلك تجدر الإشادة بموقف المستشار وموافقته على الخصم من مكافأته لتكريم العامل. وأخيراً، تخيل نفسك لو كنت المدير، هل كنت ستستمع لما يقوله العامل محمد خان؟ قرار حكيم وشجاع في لحظة واحدة أنقذ حياة الكثيرين وسمعة المصنع والشركة. إذا كنت يوماً في موقع قيادي تذكر قصة محمد خان ولا تتجاهل آراء من حولك مهما كانت مرتبته، فرأي واحد من شخص بسيط ربما ينقذ منظمة كاملة من الانهيار أو يقودها للنجاح والابتكار.