لدي صديق عزيز تنقل بين أربع وظائف مرموقة خلال الست سنوات أخيرة وفي كل مرة يأتيه عرض جديد لاستقطابه، سألته من باب الفضول: "ما الذي تطمح إليه في المستقبل في مسيرتك المهنية؟"، فأجابني هذا الصديق بكل ثقة وهدوء: "أريد أن أصبح مستشاراً!". أثارت إجابته دهشتي فسألته مجددا: "ولماذا تريد أن تصبح مستشاراً وليس في منصب تنفيذي أو حتى قيادي في القطاع الحكومي؟"، فتبسم ضاحكاً وأجاب:"المسؤولون والتنفيذيون عرضة للصراعات والانتقادات حيث يجب عليهم تحمل أخطائهم وأخطاء من يعملون تحت قيادتهم ومصيرهم الإعفاء أو الإقالة أو الإرغام على الاستقالة في أحسن الأحوال عاجلاً أو آجلا. بينما المستشار يمكن أن يستلم مخصصات لا تقل عن التنفيذيين ويعيش في سلام وراحة بال بعيداً عن الصراعات على الكراسي والمناصب والنفوذ ويمكن أن يظل ثابتاً بينما الإدارات والمسؤولون يتغيرون، وبعد هذا تسألني لماذا أريد أصبح مستشاراً؟"، في مقالة اليوم أحاول أن أعرض وجهة نظري المتواضعة حول المستشارين... في إحدى المحاضرات في جامعة إم آي تي سال ستيف جوبز الحضور: "من منكم يعمل في قطاع الاستشارات؟"، ولما رأى الكثير من الأيادي المرتفعة علق بسخرية: "يا لسوء حظكم!". ويشرح ستيف جوبز عن سبب موقفه السلبي من المستشارين عموماً بأنه لا يمكن أن تكون للشخص مصداقية حقيقية إذا لم يكن سيتحمل مسؤولية عن النصائح والاستشارات التي يقدمها، بكلمة أخرى، عندما يقوم المستشار بترشيح أشخاص لمهمة ما أو اقتراح مشروع ما أو خطة ما دون أن يكون عليه تحمل أي مسؤولية على تنفيذها أو عواقبها فستظل القيمة ناقصة وليست حقيقية لهذا العمل. وبالمقابل، فالشخص الذي يلتزم بالعمل في مجال ما لعدة سنوات ويتخصص فيه تصبح لديه الخبرة والقدرة على الحديث والتخطيط والتنفيذ في ذلك المجال، ويشبه ستيف وضع المستشارين برسام يرسم الموز بدقة متناهية ولكن ببعدين على الورق، ولكنه لم يمسك الموز ولم يزرعه ولم يأكله ولا يعرف طعمه، الأمر شبيه بشخص يقوم بأشياء كثيرة بشكل سطحي دون معرفة عميقة بها كمن يعلق على جدار غرفته رسمات الموز والعنب والخوخ دون أن يعرف الطعم الحقيقي لأي منها.. بطبيعة الحال ليس من حقي أن انتقد صديقي على حلمه في أن ينجح كمستشار فهذا حقه وطموحه، ويبقى للمستشارين دورهم الحيوي. ولكن من المهم أن يتذكر صانع القرار أنه سيتحمل المسؤولية كاملة وقت التنفيذ وتبعات اعتماد مقترحات المستشارين الذين قد يبدعون على الأوراق والعروض التي كتبت وصممت بعيداً عن أرض الواقع. وختاما، لا بأس أن تستعين الإدارة بالمستشارين وتستمع لمقترحاتهم وآرائهم بشرط ألا تتجاهل صوت العاملين في أرض الميدان والذين ستتأثر حياتهم وأعمالهم بشكل مباشر نتيجة اعتماد أو تنفيذ هذه الخطط والمقترحات، وفي نهاية الأمر قوة المنظمات الحقيقية في فريق عملها الداخلي وليس في الشركات الاستشارية المتعاقدة معها..