تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاثنين ببذل كل ما في وسعه لإنجاح سورية وذلك عقب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع. وتوجت هذه الزيارة عاما مفصليا للشرع الذي انتقل من المعارضة المسلحة إلى سدة الحكم بعد الإطاحة ببشار الأسد ويقوم برحلات خارجية منذ ذلك الحين في محاولة لتصوير نفسه قائدا معتدلا يسعى إلى توحيد بلد وإعادة بنائه بعدما عانى من ويلات الحرب. وكان الضغط من أجل رفع أكثر العقوبات الأميركية صرامة بشكل كامل من بين الأهداف الرئيسة للشرع خلال زيارته واشنطن. وبعد عقد اجتماع مغلق مع ترمب، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تمديد تعليق على قانون عقوبات قيصر لمدة 180 يوما، لكن رفع هذه العقوبات بشكل كامل مرهون بموافقة الكونغرس الأميركي. واستقبل ترمب الشرع في أول زيارة على الإطلاق يقوم بها رئيس سوري إلى البيت الأبيض، بعد ستة أشهر من أول لقاء بينهما في السعودية. ووصل الشرع إلى البيت الأبيض دون ضجة مثلما يحدث مع زيارات القادة الأجانب. ودخل من مدخل جانبي لم يره الصحفيون، بدلا من الباب الرئيس للجناح الغربي حيث كانت تنتظره الكاميرات. وقال ترمب للصحفيين إنه يعتبر الشرع "قائدا قويا" وعبر عن ثقته فيه. وأضاف "سنبذل قصارى جهدنا لإنجاح سورية". لكنه أشار أيضا إلى ماضي الشرع قائلا "كلنا مررنا بماض صعب". وقال الشرع في مقابلة مع قناة فوكس نيوز إن ارتباطه بالجماعة المسلحة أصبح أمرا من الماضي، مشيرا إلى أنه لم يناقش هذه المسألة خلال اجتماعه مع ترمب. وأضاف الشرع أن سورية تُعتبر الآن حليفا جيوسياسيا لواشنطن، وليست تهديدا. ووعدت وزارة الخزانة الأميركية "بمواصلة تخفيف العقوبات" وأعلنت عن قرار جديد يحل محل إعفائها الصادر في 23 مايو بشأن فرض قانون قيصر لعام 2019، الذي فرض عقوبات واسعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الأسد. ويمدد القرار على ما يبدو الإعفاء 180 يوما أخرى. وتولى الشرع (43 عاما) مقاليد الأمور في سورية نهاية العام الماضي بعد أن شنت جماعات من المعارضة المسلحة بقيادته هجوما خاطفا وتمكنوا في غضون أيام فقط من الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر. ومنذ ذلك الحين، تتطور تحالفات سورية بوتيرة مذهلة بعيدا عن حليفي الأسد الرئيسين إيران وروسيا وباتجاه تركيا والخليج وواشنطن. وكان من المتوقع أن تكون قضية الأمن على رأس المناقشات في الاجتماع بين الشرع وترمب، الذي سعى خلافا لتوجهات السياسة الأميركية إلى مساعدة سورية في المرحلة الانتقالية الهشة. وتتوسط الولاياتالمتحدة في محادثات بين سورية وإسرائيل بشأن اتفاق أمني محتمل. وقال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى الاثنين إن سورية وقعت إعلان تعاون سياسيا مع التحالف الدولي لهزيمة تنظيم "داعش". مؤامرتان لاغتيال الشرع قبل ساعات قليلة من الاجتماع التاريخي، قال مسؤول أمني سوري ومسؤول كبير في الشرق الأوسط إن سورية أحبطت مؤامرتين منفصلتين لتنظيم "داعش"لاغتيال الشرع في الأشهر القليلة الماضية. وذكرت وسائل إعلام رسمية أن وزارة الداخلية السورية أطلقت مطلع هذا الأسبوع حملة تستهدف خلايا تنظيم "داعش" في أنحاء البلاد، أفضت إلى القبض على أكثر من 70 مشتبها بهم. ولم يوضح البيت الأبيض حتى الآن سبب وصول الشرع دون ضجة. فعادة ما ينتقل أغلب رؤساء الدول على متن سيارات إلى الممرات المزينة بأعلام بلادهم على الجانب الشمالي من المجمع الرئاسي. لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل في اجتماع الاثنين. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان موجودا أيضا في البيت الأبيض للقاء مسؤولين من إدارة ترمب، لوسائل إعلام تركية إنه تلقى دعوة للانضمام إلى جزء من الاجتماع. وعقب الاجتماع، وجّه ترمب انتقادا حادا للنائبة الأميركية مارجوري تايلور جرين التي قالت على منصة إكس إنها "تودّ حقا أن ترى اجتماعات متواصلة في البيت الأبيض بشأن السياسات الداخلية، لا السياسة الخارجية وزعماء الدول الأجنبية". وقال ترمب إن النائبة الجمهورية "ضلّت طريقها"، مضيفا "عليّ أن أنظر إلى الرئاسة باعتبارها موقعا يتعامل مع (قضايا) العالم... قد نجد أنفسنا في عالم مشتعل تصل فيه الحروب إلى شواطئنا بسهولة". ولدى مغادرة الشرع للمجمع الرئاسي، خرج من موكبه أمام البيت الأبيض مباشرة وحيا لفترة وجيزة مجموعة من المؤيدين المبتهجين الذين راح بعضهم يلوح بالأعلام السورية. وكان من المتوقع أن يدعو الشرع بقوة إلى إلغاء قانون قيصر في خطوة ستسهم في تنشيط الاستثمارات العالمية في بلد أنهكته الحرب على مدى 14 عاما. ويقدر البنك الدولي أن إعادة الإعمار ستتطلب أكثر من 200 مليار دولار. ودعا عدد من أعضاء الكونغرس المؤثرين إلى رفع عقوبات قانون قيصر لعام 2019، والتي صدرت ردا على انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الأسد. ويريد بعض الجمهوريين من أنصار ترمب إبقاء العقوبات سارية، لكن هذا الموقف ربما يتغير إذا مارس ترمب ضغوطا. وخضع تماسك النسيج الاجتماعي السوري لاختبارات صعبة في الآونة الأخيرة، إذ أدى نشوب أعمال عنف طائفية إلى مقتل أكثر من 2500 منذ الإطاحة بالأسد، مما عمق جراح الحرب الأهلية. ويأتي تركيز ترمب على سورية في الوقت الذي تسعى فيه إدارته إلى الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي توسطت فيه الولاياتالمتحدة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، والمضي قدما في خطته المكونة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب الدائرة منذ عامين في القطاع الفلسطيني.