تتجه الأنظار إلى واشنطن حيث يبدأ الرئيس السوري أحمد الشرع زيارة رسمية غير مسبوقة إلى البيت الأبيض، في خطوة تحمل رمزية سياسية كبيرة، ورسائل دبلوماسية واضحة بأن دمشق تسعى لتثبيت شرعيتها الدولية وإغلاق ملف العقوبات المتراكمة منذ سنوات. وبحكم كونه أول رئيس سوري يزور الولاياتالمتحدة منذ استقلال سوريا عام 1946، تأتي هذه الزيارة كإعلان عن عودة سوريا إلى المشهد السياسي العالمي بعد مرحلة طويلة من الحرب والعزلة والقطيعة. ويخوض الشرع معركته الأهم المتمثلة في إقناع واشنطن بالمضي نحو إزالة العقوبات المتبقية، وعلى رأسها قانون قيصر، الذي يشكل أكبر عائق أمام إعادة الإعمار والاستثمارات الدولية في سوريا. حملة دبلوماسية وبعد سقوط نظام الأسد، بدأ الشرع حملة دبلوماسية واسعة، سعى خلالها إلى إعادة العلاقات مع الدول التي قاطعت دمشق طوال سنوات الحرب. واجه إرثا ثقيلا من العداء والصراعات، لكنّه نجح تدريجيا في تغيير الخريطة السياسية تجاه سوريا، ومحاولة إظهار حكومته كبديل مختلف عن حقبة الأسد. وخلال زيارة للرياض في مايو الماضي، التقى الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي أعلن حينها رفع عقوبات استمرت عقودا. واليوم يعود الشرع إلى البيت الأبيض، في زيارة توصف بأنها الأخطر والأهم منذ توليه السلطة. الهدف الأبرز ومن المتوقع أن يوقع الشرع اتفاقا لضمّ سوريا رسميا إلى التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة ضد «داعش»، لكن الخطوة الأكثر حساسية ستكون الضغط لإلغاء قانون قيصر بشكل نهائي. وهذا القانون فرض عقوبات واسعة على حكومة الأسد وقوات الأمن بسبب انتهاكات الحرب، ورغم تعليق بعض بنوده بأمر رئاسي، إلا أن إلغاءه الرسمي يتطلب تصويتا في الكونغرس. وقال أحمد زيدان، المستشار الإعلامي للشرع، إن «القضية الأهم» على أجندة الرئيس في واشنطن هي رفع قيصر بالكامل. ويضيف أن سوريا لا تستطيع البدء بإعادة الإعمار وجذب الشركات العالمية في ظل بقاء القيود المفروضة على المصارف، التحويلات، قطاع الطاقة والمواد الإنشائية. وقبل زيارة الشرع بأيام، أعلن ترمب أنه رفع عقوبات إضافية عن السوريين «لإعطائهم فرصة للقتال»، مشيدا بأداء الشرع، ومعتبرا أن الكثير من التقدم تحقق في سوريا. كما صوّت مجلس الأمن على رفع العقوبات عن الشرع ووزير داخليته، وأزالتهما واشنطن من قوائم الإرهاب. دعم كبير وفي مجلس الشيوخ، تقدّم مشرعون بمبادرة لإلغاء قانون قيصر ضمن مشروع قانون تفويض الدفاع السنوي. لكن في مجلس النواب ظهرت معارضة من بعض كبار الجمهوريين، أبرزهم برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية. ويريد هؤلاء وضع شروط صارمة تشمل ضمانات أمنية، تمثيل الأقليات، علاقات سلمية مع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، وإبعاد المقاتلين الأجانب. ضد داعش ويسعى الشرع أيضا لدمج سوريا رسميا داخل التحالف الدولي ضد داعش. حيث صرح المبعوث الأمريكي توم باراك أن سوريا «ستنضم قريبا» إلى التحالف الذي يضم نحو 80 دولة، بينما أكد مسؤولون أمريكيون أن التوقيع على الاتفاقية قد يحدث خلال الزيارة. ويقول مسؤول أمريكي إن «انضمام سوريا رسميا سيكون علامة فارقة»، لأنه سيسمح للقوات الأمريكية بالعمل مع الجيش السوري. زيارة مفصلية وتمثل هذه الزيارة نقطة تحول في مسار سوريا. فإذا نجح الشرع في الحصول على تعهّد أمريكي مدعوم من الكونجرس بإلغاء العقوبات المتبقية، فقد يكون ذلك بداية ملموسة لإعادة الإعمار وعودة الاستثمارات. أما إذا تعثرت المفاوضات، فستظل دمشق معلّقة في منطقة رمادية، بين الاعتراف الدولي والإغلاق الاقتصادي.