لم تهمل رؤية 2030 المقيمين الأجانب في السعودية الذين يقدر عددهم بنحو 15.7 مليون نسمة بنهاية النصف الأول من عام 2024م أي ما يعادل نسبة 44.4 % من إجمالي سكان المملكة، حيث تضمنت العديد من البرامج والمبادرات المخصصة لهم وحرصت على دمجهم وإشراكهم في شتى المجالات كما توسعت في تسهيل الإجراءات والأمور الخاصة بهم وعملت على تعزيز جودة حياتهم وتسهيل انسجامهم مع المجتمع السعودي في بيئة جاذبة للعيش والعمل والاستثمار للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وتعد مبادرة (انسجام عالمي)التي تم إطلاقها من طرف وزارة الإعلام، وهي إحدى مبادرات برنامج (جودة الحياة)، مثال واضح يعكس ذلك التوجه ويظهر الجهود الكبيرة المبذولة لتحسين بيئة العمل لجعل سوق العمل السعودي أكثر مرونة وعدالة وجاذبية، وقدرة على الاستقطاب وتعزيز الإنتاجية خصوصاً، وأن مطلب زيادة إنتاجية العمالة الأجنبية يعد جزءًا من استراتيجية المملكة الهادفة لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال خلق قطاعات جديدة وتعزيز القطاعات الحالية. الارتقاء بسوق العمل وتأتي النسخة الثانية من مبادرة (انسجام عالمي) لتذكر بالجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030 لجعل سوق العمل السعودي أكثر مرونة وعدالة وجاذبية، بدء بالتوسع في حماية العمال من خلال تشجيع المعاملة العادلة وإضفاء الشفافية على التوظيف والإنفاذ الفعال لقوانين العمل عبر العديد من البرامج والمبادرات التي من بينها مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، لتسهم بشكل كبير في الحد من الخلافات بين طرفي العلاقة التعاقدية في سوق العمل السعودي، وتعمل على تقليص الاعتماد على الكفلاء،كما اسهم نظام حماية الأجور دفع الأجور الكترونياً في الوقت المحدد، وبالقيمة المتفق عليها بين أطراف التعاقد، في تقليص خلافات الأجور بين المنشآت والعمالة في القطاع الخاص. وحظيت العمالة المنزلية التي تشكل جزءًا كبيراً من مجمل قوى العمل الأجنبية العاملة في المملكة باهتمام كبير شمل تسهيل ممارسات التوظيف وتنقل العمال، إذ عملت منصة "مساند" على تعزيز الحوكمة والشفافية في توظيف العمالة المنزلية من خلال مكاتب الاستقدام المرخّصة، من خلال توفير عقود موحّدة، وآلية لتتبع الأجور، وقنوات لتقديم الشكاوى، كما مكنت خدمة "حرية التنقل الوظيفي" للعمالة تغيير أصحاب العمل دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل السابق، مما يلغي قيود الكفالة السابقة وتم إقرار حظر أصحاب العمل من حجز جوازات السفر أو حجب الرواتب أو تقييد حركة العمال، مما يضمن استقلالية العمالة وحفظ حقوقهم القانونية التي تكفلها لهم أنظمة الإنفاذ القوية في المملكة التي تضمن أيضا المعاملة العادلة التي تدعم حقوق العمال. وبالرغم أن المحاكم العمالية في المملكة تضمن عملية منظّمة وتتسم بالشفافية لحل النزاعات المتعلقة بالعمل، إلا أن المملكة حرصت على تقديم الإصلاح والتسوية الودية عبر إدارة التسوية الودية، التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، قبل اللجوء إلى المحاكم العمالية حيث تختص مكاتب العمل بمحاولة الإصلاح بين صاحب العمل والعامل بشكل ودي، وإعداد محاضر الصلح التي تُعتمد كمستندات تنفيذية وفق الفقرة (3) من المادة التاسعة من نظام التنفيذ بهدف توفير الوقت والجهد على الأطراف، ومنحهم مرونة أكبر للتوصل إلى حلول مرضية بعيداً عن أروقة المحاكم. خلال وقت وجيز، بدلاً من فترات الانتظار الطويلة أمام القضاء. سلامة بيئة العمل وجودتها كما تعد مبادرة (انسجام عالمي) مثالاً واقعياً يبرز السياسات الشاملة لتحسين التي تمارسها المملكة بهدف سلامة بيئة العمل ورفع معايير الصحة المهنية والحماية الاجتماعية لجميع العمال على ارضها المباركة، وبفضل تلك الجهود ولوائح السلامة والصحة المهنية الصارمة التي تم فرضها في أماكن العمل ومنها إقرار لائحة الفحوصات المهنية في المملكة التي تمثل إطارًا شاملًا لتقييم اللياقة الصحية والنفسية للعاملين، بما يضمن أداء مهامهم الوظيفية بكفاءة عبر فحوصات قبل التعيين وأخرى دورية تعتمد على طبيعة المهنة والمخاطر المصاحبة لها، انخفض معدل الإصابات المهنية في السعودية في 6 أعوام إلى 41 %، كما انخفض معدل الوفيات إلى أقل من 1 لكل 100 ألف عامل بنسبة بلغت 75 % حتى منتصف عام 2025، وذلك بعد تفعيل دور مراقبي السلامة والصحة المهنية، ما يشكل خط أساس لتعزيز الخفض مستقبلًا "،وتضمن لائحة الفحوصات المهنية للعمال أداء مهامهم بأمان وكفاءة، إلى جانب وضع آلية للفحوص الطبية قبل التعيين والدورية للمهن ذات المخاطر العالية، وتوحيد نماذج الفحوص الطبية، وإنشاء قواعد بيانات صحية شاملة، وتحسين الامتثال للمعايير المحلية والدولية في مجال السلامة والصحة المهنية. ومن بين الأمثلة التي تدلل على جهود المملكة المبذولة لتحقيق سلامة بيئة العمل ولحماية العمال من درجات الحرارة العالية في فصل الصيف، إقرارها لحظر العمل في الأماكن المكشوفة تحت أشعة الشمس المباشرة خلال ساعات الذروة (من الساعة 12:00 ظهرًا حتى 3:00 عصرًا)، وذلك عادةً في الفترة من منتصف يونيو حتى منتصف سبتمبر في جميع مناطق المملكة، ويُلزم القرار أصحاب العمل بإعادة جدولة أعمالهم الخارجية إلى الأوقات الأكثر برودة من اليوم، ويعكس هذا الإجراء التزام المملكة بمتطلبات السلامة والصحة المهنية، كما أنه يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية للحد من مخاطر الإجهاد الحراري والجفاف والأمراض المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، ويضمن التأمين الصحي الإلزامي لكل عامل بالمملكة حصوله جميع العاملين في القطاع الخاص على رعاية صحية عالية الجودة، ومن الأمثلة أيضاً في هذا الجانب عدم تحميل العمالة المنزلية تكاليف العودة إلى الوطن، إذ تُغطى هذه التكاليف من قبل أصحاب العمل أو مكاتب الاستقدام أو الوزارة، مما يضمن معاملة عادلة وحماية مالية. الترحيب بالشريك القادم وتمزج مبادرة (انسجام عالمي) بين الثقافة والتقاليد السعودية والثقافات المختلفة للمقيمين على أرضها في تجربة فريدة أظهرت كرم الشعب السعودي وترحيبه بالشريك القادم بحضور ومشاركة المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات، وبحضور ومشاركة أبرز وسائل الإعلام في تلك الدول في دلالة واضحة على ما تشهده المملكة من تحسين لنمط حياة السكان، بمن فيهم المقيمون، من خلال تطوير البنية التحتية، وتوفير خيارات ترفيهية ورياضية وثقافية متنوعة، مما يجعل المملكة مكاناً أكثر جاذبية للعيش والاستقرار وتعد المبادرة بذلك وسيلة عملية لإبراز جاذبية سوق العمل السعودي الذي أصبح الأكثر جاذبية في المنطقة، وتساعد على جذب الكفاءات والمهنيين المهرة والاحتفاظ بهم في قطاعات الهندسة، والتكنولوجيا، والرعاية الصحية، والمالية،خصوصا بعد القرارات التي تمت في إطار رؤية 2030 في هذا الجانب ومنها إطلاق نظام يمنح المقيمين الأجانب إقامة طويلة الأمد (محددة المدة أو دائمة) دون الحاجة لكفيل، مع إمكانية ممارسة الأعمال التجارية والاستثمار وتملك العقارات، بهدف جذب الكفاءات ورؤوس الأموال، ويدعم في ذلك التزام المملكة بمواءمة سوق العمل مع المعايير الدولية، وتعزيز الشراكات العالمية، وزيادة جاذبيتها لاستقطاب أفضل الكفاءات العالمية حيث يُعد ذلك الالتزام جزءً أساسيًا من رؤية المملكة (2030) التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد، وتمكين الأفراد، وجعل المملكة مركزًا عالميًا للابتكار والاستثمار.