مع التقدم التكنولوجي المتسارع في كل المجالات، وما أفرزه من ثورة رقمية هائلة، وما تمخض عنه من تطور هائل من مخرجات لا حصر لها، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بجدية هو: ما هو حجم التأثير المتوقع للذكاء الاصطناعي على وعي الإنسان؟ وبالتالي هل يمكن أن يمسخ الذكاء الاصطناعي وعينا مستقبلا؟ ويغير من طبيعة تفكيرنا؟ ويمسخ هويتنا البشرية؟ ولا ريب أن الذكاء الاصطناعي، بما بات يتمتع به من قدرات خارقة، يمكنه أن يؤثر على وعينا بطرق متعددة، وذلك من خلال قدرته الفائقة على تحليل البيانات الضخمة، وتقديم التوصيات بالخصوص في اللحظة، وبالتالي فإنه يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على قراراتنا وآرائنا بشكل أو بآخر إلى حد بعيد، ولا سيما في ظل سياق التوجه العام للإنسان، في الوقت الراهن، بالاستمرار في الاعتماد الكبير على التكنولوجيا في كل المجالات الفنية، والعلمية، والطبية، وغيرها.. مما يعزز الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي سيتغلغل في كل مفاصل حياتنا، مما سيؤدي إلى تغيير في طريقة تفكيرنا، وتعلمنا، بشكل كبير، ولا سيما عندما تكون خوارزميات تطبيقات الذكاء الاصطناعي غير محايدة. ولعل الخطر الحقيقي يكمن عند ذاك، في فقدان السيطرة على مقاليد التكنولوجيا، وخاصة إذا ما ترك المجال مفتوحًا أمام الذكاء الاصطناعي، لكي يتطور دون رقابة، أو ضوابط، تحكم مسار تطوره، الأمر الذي سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، ونتائج غير متوقعة، يمكن أن يصبح معها الذكاء الاصطناعي عندئذ، أكثر ذكاءً من الإنسان، بحيث يكون هو المسيطر الحقيقي على كل تفاصيل، ومجريات الحياة. ويطرح التوسع غير المنضبط للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ما تقدم من تداعيات، تحديات صاخبة، وإشكاليات أخلاقية كبيرة، تتعلق بتحديد المسؤولية عن قرارات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن ضمان أن تكون قرارات الذكاء الاصطناعي عادلة، وموضوعية، وغير متحيزة، وبما يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو مقبول، وبطريقة مسؤولة. وفي الوقت الذي يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين قدرات الإنسان، والارتقاء بأدائه، ومن ثم، تطوير حياته نحو الأفضل، إلا أنه لا بد من أن نكون على دراية تامة بكل التحديات، والمخاطر المحتملة للتوسع في قدراته، وبالشكل الذي يضمن قيام الذكاء الاصطناعي بخدمة مصالح الإنسان، دون أن يشوه تفكيره، أو يمسخ وعيه، أو يمس عواطفه، وهو ما يتطلب ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي مستقبلا، بطريقة آمنة، ومسؤولة، ومطمئنة تمامًا.