أدى المناخ الجيوسياسي الحالي في ظل تغير الولاءات والتحالفات إلى تأثير كبير على طريقة انخراط الدول في التجارة الخارجية. ومن أبرز النتائج المترتبة على ذلك تزايد الحاجة إلى الإسراع في تنويع الشركاء التجارة من اجل ضمان استدامة النمو التجاري حيث دفعت هذه الحاجة الدول المعنية إلى تبني استراتيجيتين مهمتين للحفاظ على تجارتها وهما هوامش الربح المكثفة والإستراتيجية التوسعية. وفي هذا السياق، ذكر تقرير أصدرته الحكومة الهندية مؤخرًا " يتطلب الأمر تعميق تجارة السلع الحالية إضافة إلى استكشاف فرص جديدة من خلال ابرام اتفاقيات تجارية، وتعزيز التحالفات التجارية وتوسيع اختراق الأسواق". كما يلاحظ أنه في ظل الخطوة المفاجئة اتخذتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الهندية، وقد ردت نيودلهي باتخاذ تدابير فورية لضمان استدامة التجارة من خلال استغلال استراتيجيات الهوامش المكثفة والتوسعية . وقد شهدت العلاقات الإقتصادية الثنائية بين دول الخليج والهند زخماً كبيراً في الآونة الأخيرة ويعد تنويع سلة التجارة درساً أساسياً في كتب الإقتصاد الدولي. من الواضح أن الإعتماد المفرط على سلعة واحدة في التجارة قد يؤدي إلى لعنة الموارد بينما الإعتماد الزائد على شريك تجاري واحد قد يؤدي إلى تبعية تجارية غير مواتية. وانطلاقاً من وفرة الموارد لها، وضعت الهند خطة استراتيجية لتعزيز تجارتها في المنتجات التي تمتلك فيها ميزة نسبية بما يضمن لها زيادة تنافسيتها واستدامة نموها التجاري . وتعد الأحجار الكريمة والمجهورات من السلع الأساسية في سلة صادرات الهند. ومن جانب آخر أنه وفقًا لمجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات بالهند، فقد سجّل هذا القطاع ارتفاعًا في كلٍّ من الصادرات والواردات خلال شهر يوليو 2025م .وبشكل عام، بلغت صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات 28.50 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2025م، بينما وصلت قيمة الصادرات في شهر مارس 2025م وحده إلى 25.82 مليار دولار أمريكي. وبالنسبة لدول الخليج تحديدًا، شهدت تجارة الهند في مجال الأحجار الكريمة والمجوهرات توسعًا ملحوظًا. ويُعدّ معرض السعودية الدولي للمجوهرات ( ساجيكس 2025) الذي أُقيم على مدى ثلاثة أيام في مدينة جدة، خير مثال على هذا النمو المتسارع في العلاقات التجارية بين البلدين. كما شهدت حالياً، صادرات الهند من الأحجار الكريمة والمجوهرات إلى المملكة العربية السعودية ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 45% لتصل إلى 151.5 مليون دولار أمريكي مع زيادة بنسبة 55% في صادرات المجوهرات الذهبية المرصعة لتصل إلى 129.31 مليون دولار أمريكي حيث يتميز السوق السعودي بكونه سوقاً متنامياً بإمكانيات قوية نظراً لحجمها الكبير وعدد سكانها المتزايد مما يوفر فرصاً واعدة متنامية امام الحرفية الهندية التي تحظى بإقبال كبير في المملكة. بالإضافة إلى الطلب على الذهب التقليدي أي ( مجوهرات الذهب من عيار 21 و 22 قيراطاً) يشهد السوق ايضاً ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب المتصاعد على الماس والأحجار الكريمة الملونة . علاوة على ذلك، يوفر السوق السعودي المتنوع، والذي يضم مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، بدءًا من فئات السوق العام وصولًا إلى السلع الفاخرة الراقية، سوقًا هندية ماهرة وذات خبرة واسعة، مع فرص للاستفادة من محفظة منتجاتها المتنوعة. وعلى سبيل المثال، وفي ظل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند والإمارات إلى جانب سياسة الهند التي تتيح الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 100% في هذا القطاع، شهدت صادرات المجوهرات الهندية ارتفاعًا بنسبة 60% في مجوهرات الذهب و17% في مجوهرات الماس وذلك منذ عام 2022م. غير أن هناك زخم متزايد لتعزيز التعاون في قطاع المعادن الحيوية واستكشاف فرص استثمارية جديدة لإنشاء سلاسل توريد معادن موثوقة وآمنة لتقليل الإعتماد على الواردات. كما يجري التركيز على تشجيع المشاريع المشتركة لمعالجة المعادن الحيوية لدعم تقنيات الطاقة النظيفة والأمر الذي أدى إلى اعتماد معهد المسح الجيولوجي الهندي للتدريب (جي إس تي آي) مركزاً للتميز في إطار منتدى المعادن المستقبلية (إيف إيم إيف). في حين تهدف هذه المبادرة إلى توفير برامج تدريبية متخصصة لعلماء الجيولوجيا كل من المملكة العربية السعودية وأفريقيا وآسيا الوسطى مما يعزز قدرات التعدين العالمية وبناء القدرات والكفاءات في هذا القطاع حيث اتخذت الدخول إلى السوق السعودية من خلال عمليات بشكل استحواذات استراتيجية. كما يلاحظ أن دول الخليج تبرز كمركز تصنيع وتصدير المجوهرات الهندية. وقد اعلنت شركة تيتان مؤخراً عن خططها لشراء حصة بنسبة 67% في شركة داماس، وهي شركة تعمل في مجال تجارة التجزئة والتي اتخذت مقرها في دبي بالإمارات. ومن الواضح أنه مع ظهور المملكة العربية السعودية وغيرها من اقتصادات الخليج كوجهة بديلة للتجزئة والتصنيع للهند، فإن تعزيز التعاون بين الجانبين لا يقتصر على حل مشكلة العرض والطلب فحسب، بل يساهم أيضاً في إعادة تصور نظام تجاري بديل من خلال استكشاف آفاق جديدة وفرص تجارية غير متوقعة مع مواجهة عوائق الحواجز التجارية.