الكتابة، كما تصفها الكاتبة السعودية أمل السحاري، ليست خيارًا جماليًا بل حالة وجودية تجمع بين الخيال والواقع لتتحول إلى "وسيلة لفهم ما لا يمكن قوله بالكلام". بهذا الوعي تدخل أمل عالم الرواية عبر عملها الأول "مقطوعة الشؤم"، محاولةً أن تصنع نصًا يعزف على أوتار الذات الإنسانية، حيث تتقاطع الموسيقى مع السرد، والحكاية مع الإحساس. تقول أمل في مستهل حديثها إن روايتها لم تأتِ من لحظة واحدة، بل من سلسلة انكسارات وتساؤلات ومشاهد متراكمة في الذاكرة منذ الطفولة. وتضيف: «الكتابة عندي لم تكن ترفًا، بل وسيلة للهروب أحيانًا، وللمواجهة أحيانًا أخرى. كل ما أعيشه أو أتجنبه يمكن أن يتحول إلى مادة خام للنص». وعن سؤالها حول قدرة المرأة على قول كل شيء أثناء الكتابة، تجيب أمل بصدق: «لا أحد يقول كل شيء، لا امرأة ولا رجل. لكن المرأة في مجتمعاتنا تواجه رقابة مضاعفة، ومع ذلك تستطيع أن تكتب بصوتٍ موازٍ للبوح، عبر الاستعارة والرمز. الصدق في الشعور أقوى من المجاهرة». وتؤكد أن المرأة تملك من العمق والتفاصيل ما يجعلها قادرة على التعبير عن عوالمها بجرأة تضاهي الرجل إن لم تتفوق عليه. أما عن القراءة كمدخل للكتابة، فتقول السحاري إنها تحترم القراءة لكنها لم تكن الجذر الأول لكتاباتها: «أنا قارئة، نعم، لكني لم أصل إلى الكتابة من رفوف مكتبة، بل من دهاليز داخلية مزدحمة. القراءة تصقل الكاتب، لكنها لا تخلق النار الأولى. ما حفزني كان شعورًا لم أفهمه، وسؤالًا بلا جواب». وعن عنوان روايتها الأول "مقطوعة الشؤم"، تقول أمل: «العنوان ليس دعوة للتشاؤم، بل توصيف لحالة داخلية متوترة، كان عليّ أن أخرجها إلى الورق. كلمة (مقطوعة) توحي باللحن، و(الشؤم) توحي بالكسر، وهذا التناقض هو ما أردتُ أن أكتبه. قد لا تكون الرواية مريحة، لكنها صادقة». وتصف تجربتها الأولى بأنها :سذاجة جميلة: تحمل الحماس والإصرار رغم الإرهاق الذي يرافق البدايات، مضيفة: «العمل الأول يولد من حاجة داخلية مُلِحّة. أفكر في أن يكون عملي القادم أعمق من هذه التجربة، وأكثر وعيًا بالتكنيك والسرد». أما المفاجأة، فهي أن الكاتبة تمارس رياضة الرماية، وتراها مرتبطة بالكتابة أكثر مما قد يبدو. تقول: «الرماية منحتني الصبر والتركيز. تعلمت منها أن الخطأ لا يكون دائمًا في التوقيت، بل في النظرة أو الفكرة. الكتابة مثل الرماية: تحتاج إلى هدف، إلى توتر جميل بين الجهد والانتظار، وإلى يقين أن بعض السهام سيصيب، وبعضها سيعود إليك». وفي مفارقة لافتة، تكشف أمل أنها بعد انتهائها من كتابة الرواية التحقت بدورة لتعلّم آلة البيانو: «لم أختر البيانو، بل أشعر أنه اختارني. كنت أكتب بنغمة شعورية تشبه النوتة الموسيقية، وحين انتهيت شعرت بفراغ سمعي لم يملأه الحبر، فبدأت أعزف ما لم أستطع كتابته». تختم أمل السحاري حديثها بتأملٍ يعكس روح جيلها الأدبي الجديد: «الكتابة رياضة من نوع آخر، مضمارها الخيال، ونتائجها غير مضمونة. لكننا نكتب لأننا نحاول أن نصيب الهدف، مهما كانت المسافة بيننا وبينه».