حق الجار كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة باقٍ، وله حقوق وحرمة استقيناها من تعاليم ديننا الحنيف، وإن أوضحت الأنظمة والقوانين حدود التعامل درءًا للاختلاف فإن علينا أن نحترم الأنظمة كمرجعية عند الاختلاف؛ لا أن نجعلها وسيلة لأذية الجار بطريقة تشيع الخلاف، ولن يفعل هذا إلا جار جائر.. تسن الأنظمة والتشريعات لتكون مرجعية لتحديد الحقوق والمسؤوليات عند الاختلافات، لكنها لم تكن قط داعيا لاختلاق الخلافات في التعاملات ولا تبيح تجاهل تعاليم الدين وأساسيات القيم والأخلاقيات في التعامل بين الأبناء والوالدين والأشقاء والإخوان والأقارب والجيران، ولا تنسينا فسحة الأنظمة والقوانين الالتزام بحقوق الجيران والوالدين والأشقاء وذوي القربى وكل من لهم حق علينا فرضته تعاليم ديننا الحنيف الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية. أنظمة المرور (مثلا) تحدد نسبة المسؤولية عند حدوث حادث؛ لكنها لا تعني عدم الصفح والتنازل، وأنظمة فض المنازعات والخلافات، بل وحتى المشاجرات تحدد صاحب الحق لكنها تحث على الصلح وتشجع التنازل، وحتى في قضايا القتل فإن الله سبحانه وتعالى قد كتب علينا القصاص في القتلى وأتاح العفو، وجعل ثوابه عظيما، فما بال بعضنا اليوم يتشبث ببعض الأنظمة البلدية وأنظمة الوقوف فيؤذي جيرانه بالتبليغ عن هذا وسحب سيارة ذاك ومضايقة قريب أو جار بحق وبغير حق؟ فالأمر علينا غريب وطارئ لم نتربَّ عليه ولم نعتده من الآباء والأجداد، بل تربى مجتمعنا على إكرام الجار وكف الأذى والصفح عنه إذا أخطأ هو أو أحد أفراد أسرته، وعرف عن مجتمعنا عبر التاريخ أن للجار حقوقا وحرمة استقيناها من تعاليم ديننا الحنيف فنتقاسم معه الرزق إن شعرنا بقلة ذات يده، ونقتسم معه الرغيف إن لاحظنا على أبنائه جوعا، بل كم من بيت بات جائعا ليشبع جاره دون علمه، وإن سمح المجال فقد أورد موقفا واقعيا لجار تحمل خطأ من جاره في بناء ولم يشتكِ أو يتذمر أو يتجهم وجهه بل ابتسم أمامه عند كل صلاة. نعم أوضحت الأنظمة حدود وقوف السيارات في الحي تسهيلا على السكان ومنعا للخلافات والنزاعات، ولكن ذلك لا يعني أن تترصد لجيرانك فتضع السلاسل على سيارة جار مضطر أو تعاقبه بالإحاطة بسيارته ومنعه من الخروج، فأنت بذلك تتعمد الأذى لا الإصلاح، وهنا لا ننسى أن الوقوف أمام باب الجار أذى لا يجوز لا قبل صدور النظام ولا بعده، لكن خطأ الجار (عند الكرام) لا يعالج بالأذى!، ونعم صدرت أنظمة تمنع نوعا من المظلات لكن أمر أولوية التنفيذ لدى الجهة الرقابية وليست من شيم الكرام أن تزعج الجهات بالتبليغ عن جارك!، وعندما تدفع حاوية القمامة لتصبح أمام جارك فأنت جار مؤذٍ أقشر، وعندما يضطر جارك لإجراء ترميم في منزله فإن أمر التأكد من حصوله على تصريح الترميم هو مسؤولية مراقب البلدية، وعندما تزعجه بالبلاغات فأنت جار مؤذٍ مزعج تعتقد أنك مواطن صالح. عندما كنا نقطن حي جبرة بالرياض قبل أكثر من ستين سنة، كانت بيوتنا من طين لكن قلوبنا من قطن، وتذكر شقيقتي الكبرى أن جارنا أراد إضافة غرفة من طين وطبق ومرابيع وقام عماله بإدخال الخشب في الجدار الذي بيننا وبينه وربما بطريق الخطأ بالغوا في طرق الخشب فاخترق جدار ديوانية منزلنا وخرج علينا مطلا عبر رفوف جبس مشب الديوانية وسقطت الدلال وتكسرت الرفوف ومع ذلك لم يشتك والدي -رحمهم الله جميعا-، بل أصبح والدي يقابله في المسجد بابتسامة أعرض مما كان يفعل ولم يبلغ أحد من الجيران ونهانا عن أن نتحدث عن الأمر وأعاد ترميم أرفف الوجار بالجبس حول الخشب ولم يعلم جارنا عن الوضع إلا بعد بيع بيت جبرة وذكر العيب في شروط البيع. هكذا كنا جميعا مع جيراننا وليس والدي فقط، وهكذا كانت تربيتنا في التعاطي مع الجار، وهكذا يجب أن نستمر، فحق الجار كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يبقى، وإن أوضحت الأنظمة والقوانين حدود التعامل درءًا للاختلاف فإن علينا أن نحترم الأنظمة كمرجعية عند الاختلاف لا أن نجعلها وسيلة لأذية الجار بطريقة تشيع الخلاف ولن يفعل هذا إلا جار جائر.