العلامة التي تُبنى بالمعنى تبقى في الوعي، وتتحول إلى ذاكرةٍ تنبض بالوطن، و"موسم الرياض" حكاية إنجاز وقيادة ملهمة ومشروع هوية يزداد رسوخًا مع كل عام، ويبرهن أن الاتصال الواعي لغة تصوغ الحضور وتمنح القيمة العالية.. في فلسفة الاتصال المؤسسي تتجاور الهوية مع العلامة لتتكوّن صورة كلية للكيان، فالهوية تصوغ الجوهر والمعنى، والعلامة تعرض هذا الجوهر في الوعي العام عبر لغة مرئية ومسموعة ومجرّبة، واللقاء بين البعد الداخلي والبعد العلني يمنح المؤسسة قدرة على التعريف بنفسها، ويمنح الجمهور مدخلًا واضحًا وواثقًا راسخًا مقنعًا إلى رسالتها وطموحها. العلامة نتاج وعي متراكم وسلوك منسق منضبط، فالتصميم يعطيها ملامح، واللغة تمنحها إيقاعًا، والممارسات اليومية تزرعها في الذاكرة، وكل تفصيل يروي فلسفة العمل ويختصر المسيرة في رمز واحد قادر على الاستدعاء الفوري. لهذا تتحول العلامة إلى عهد يقوم على الثقة واتساق التجربة عبر الزمن بين المؤسسة وجمهورها. في منظور الإدارة الحديثة تمثل العلامة أصلًا غير مادي يوازي المعدات والعقارات. هذا الأصل ينمو مع كل تفاعل ناجح، ويتراجع مع كل تباين بين الوعد والواقع، والقياس هنا يعتمد على أثرٍ يظهر في الإيرادات والسمعة وتفضيل الجمهور وقوة الشراكات، إدارة العلامة مهمة استراتيجية تتداخل مع الحوكمة والتشغيل والإبداع. ومنذ انطلاق النسخة الأولى لموسم الرياض عام 2019م بدأت قصة علامة تأخذ مكانها في المشهد العربي والعالمي. تلتها نسخ رسخت الفكرة ووسّعت النطاق، والنسخة الرابعة عام 2023 ظهرت بهوية Big Time وافتتاح نوعي جذب اهتمامًا واسعًا، وفي نسخة 2024 كان النضج الأكبر والأضخم. وقبل يومين في المؤتمر الصحفي الحكومي المنعقد في الرياض، أعلن معالي المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه وصول القيمة السوقية لعلامة موسم الرياض إلى 3.2 مليارات دولار، وهذا الرقم الضخم يضيء حجم التأثير ويعكس نضج التجربة وإمكاناتها الاقتصادية. علامة "موسم الرياض" للأمانة غدت واجهة ثقافية تعبّر عن الإبداع السعودي وتقدّم البهجة والمتعة كقيمة اجتماعية وثقافية واقتصادية، فالفعاليات المتنوعة تشكل فصولًا من سردية واحدة، والضيوف يصنعون قصصهم داخل مساحات ترفيهية وثقافية وفنية تتجاور في مدينة واحدة حيث الجمهور يلتقط التفاصيل ثم يحملها إلى منصاته وعلاقاته، فتتوسع الدائرة ويتعزّز الحضور في الذاكرة المحلية والعالمية. وللمتابع، يجد أن هذا الحضور يصنع صورة ذهنية إيجابية وعريضة وثابتة عن المملكة، فالعالم اليوم يرى رياضات وفنونًا ومتاحف ومسارح ومعارض وابتكارًا في التجربة والتنظيم. قوة ناعمة تتشكل من حسن الضيافة، وتنوّع المحتوى، ورواية وطن يعرف كيف يضيف إلى الحياة جمالًا ومعنى. الصورة الذهنية أصبحت أكثر من شعار على واجهة؛ لتغدو انطباعا مستمرا يولد فرصًا في السياحة والاستثمار والثقافة، ويفتح أبواب التعاون مع مدن وشركات ومنصات عالمية. القيمة السوقية للعلامة تأتي من تراكم إنجازات ومخرجات وصور ذهنية، فالرعايات الكبرى تحتاج مؤشرات واضحة عن الوصول والتأثير، وشركات الترخيص تبحث عن أسماء ترفع المبيعات وتزيد التفضيل، والمنصات الإعلامية تنحاز إلى قصص قادرة على جذب المتابعين، وكل مسار من هذه المسارات يضيف نقطة في رصيد العلامة، ثم تتراكم النقاط وتتشكّل قيمة قابلة للتقدير المالي. تجربة "موسم الرياض" تقدّم نموذجًا عمليًا لدمج الهوية المؤسسية مع الاتصال الشامل. الفكرة تتحول إلى تصميم، والتصميم يتحول إلى تجربة، والتجربة تتحول إلى رأسمال ثقافي واقتصادي، وهذا التماسك يرسم منهج عمل لمؤسسات تسعى إلى حضور طويل الأجل، ويقترح معيارًا للتطوير يقوم على وضوح الرسالة، واتساق السلوك، وإبداع المحتوى، وشراكات تعطي للعلامة امتدادًا أبعد من موسم واحد. ولأن العلامة والهوية صنوان وتنموان بالمعنى وتزدهران بالممارسة، فموسم الرياض مثال قريب على هوية تصنع أثرًا محليًا وعالميًا، وتضيف إلى القوة الناعمة للمملكة أداة تواصل مؤثرة، والمؤشرات المالية تمنح القصة رقمًا واضحًا، والذاكرة تمنحها دوامًا متينًا راسخًا، وبين الرقم والذاكرة تتشكل المكانة التي يبحث عنها كل كيان مؤسسي. بقي أن العلامة التي تُبنى بالمعنى تبقى في الوعي، وتتحول إلى ذاكرةٍ تنبض بالوطن، وموسم الرياض حكاية إنجاز وقيادة ملهمة ومشروع هوية يزداد رسوخًا مع كل عام، ويبرهن أن الاتصال الواعي لغة تصوغ الحضور وتمنح المجد. ختامًا، يُسجَّل لمعالي المستشار تركي آل الشيخ دوره في قيادة هذه التجربة بروح الإبداع والمسؤولية، وجهده الدؤوب الذي منح "موسم" الرياض مكانته كعلامة وطنية تمثّل المملكة في أبهى صورها، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان ودعمهما المستمر، حيث ترسّخت معادلة النجاح التي جمعت بين الفكرة والإنجاز، وبين الاتصال والقوة الناعمة، فارتسمت صورة مشرقة للمملكة في عيون العالم.