افتتح متحف نيو ميوزيم (New Museum) في مدينة نيويورك خلال خريف عام 2025 معرضًا دوليًا تحت عنوان «New Humans: Memories of the Future»، وذلك ضمن فعاليات تدشين التوسعة الجديدة للمتحف، التي تُعد الأكبر في تاريخه منذ تأسيسه في سبعينات القرن الماضي. ويأتي المعرض ليواكب التحولات الكبرى التي يشهدها الفن المعاصر، وليطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإبداع في ظل تطور الذكاء الاصطناعي والتقنيات التفاعلية. يركز المعرض على مفهوم الذاكرة الإنسانية في عصر الذكاء الصناعي، ويستعرض عبر أعمال متنوعة كيف أصبح التخزين الرقمي والتفاعل الآلي امتدادًا للذاكرة البشرية، بل وشريكًا في تشكيلها. ويشارك في المعرض أكثر من أربعين فنانًا من مختلف دول العالم، من اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية مرورًا بالبرازيل والولايات المتحدة، وصولًا إلى فنانين من الشرق الأوسط، ما يجعل المعرض مساحةً دوليةً للحوار الفني حول التداخل بين الإنسان والآلة. تنوّعت الأعمال المعروضة بين الفيديو آرت، والتركيبات التفاعلية، والفنون الرقمية، والتصوير الضوئي الغامر. من أبرز الأعمال التي حظيت بتفاعل جماهيري ونقدي كبير، عمل الفنان الياباني ريوجي إيكيدا الذي حوّل بيانات مناخية حقيقية من الخمسين عامًا الماضية إلى مقاطع صوتية ومرئية تُتيح للزائر «سماع الزمن» بطريقة تجريدية. كما قدّمت الفنانة الأميركية كايلا ماتسودا عملًا تفاعليًا بعنوان Human.exe، يعتمد على تقنية التعرف على الوجوه لإعادة تشكيل ملامح المشاهد بصريًا في اللحظة نفسها، في حوار مباشر بين الإنسان وصورته الاصطناعية. يُعد المعرض تجربة تفاعلية شاملة، إذ لا يكتفي الزائر بالمشاهدة، بل يصبح جزءًا من العمل الفني ذاته، فبواسطة نظارات الواقع المعزز وشاشات الاستشعار البصري، تتبدل الألوان والحركات والأصوات تبعًا لتفاعل الحضور مع الفضاء المعروض، وتتحول القاعة إلى بيئة ديناميكية تتغيّر وفق الانفعالات الحسية للزوار، في مشهد يعكس فكرة المعرض الأساسية: أن الفن في العصر الحديث لم يعد نتاجًا بشريًا خالصًا، بل شراكة بين الإنسان والآلة. حظي المعرض منذ افتتاحه باهتمام واسع من النقاد والمتابعين للفن المعاصر، حيث وصف بأنه «تجربة فلسفية تُترجم بالضوء والصوت أكثر مما تُقال بالكلمات، ونقطة تحوّل في تعريف الفن التفاعلي، حين تصبح التقنية وسيطًا للوعي الإنساني لا بديلًا عنه». كما أشادت الصحافة المتخصصة بقدرة المعرض على تحقيق توازن بين الطابع التجريبي والبعد الإنساني، وعلى تقديم نموذج بصري يُجسّد التقاء الفكرة بالابتكار. يُعد معرض «New Humans: Memories of the Future» محطة مفصلية في المشهد الفني العالمي لعام 2025، ليس لأنه يواكب توسعة أحد أهم المتاحف في نيويورك فقط، بل لأنه يعبّر عن التحوّل الذي يشهده الفن المعاصر باتجاه الاندماج بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي. كما يرسّخ المعرض مكانة نيويورك مركزًا عالميًا للفن المعاصر، ويؤكد دورها في احتضان الحوارات الثقافية الكبرى التي تجمع الشرق بالغرب، والماضي بالمستقبل. يقدّم معرض «New Humans: Memories of the Future» قراءة بصرية عميقة لمفهوم الإنسانية في زمن التقنية، ويضع المشاهد أمام تجربة فكرية وجمالية متكاملة. وبين الأعمال الرقمية والصوتية والتفاعلية، تتجلّى فكرة أن الذاكرة لم تعد حكرًا على الإنسان وحده، بل أصبحت كيانًا مشتركًا يولد في مساحةٍ بين الحسّ والآلة، بين الخيال والبرمجة، وبين الماضي والمستقبل.