في زمنٍ صارت فيه الأضواء تُشترى، والحشود تُستجلب، والمجد يُقاس بعدد المشاهدات لا بصدق التأثير، حيث يظلّ الأثر هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل التزييف. الجمهور لا يُجامل الذكرى لأن الذكرى لا تحفظ أسماءً مرت عابرة، ولا أصواتًا علت لمجرد العلو. فالذكرى تختزن فقط من مرّ عبرها وترك فيها شيئًا.. شيئًا يشبه الحقيقة، ويشبهنا، والأثر لا يُفتعل. لا يُصنع في استوديو، ولا يُمنح بوسم، ولا يُقاس بتصدر قائمة. الأثر الحقيقي يُزرع بلا نية للبقاء، لكنه يبقى. يمضي بصاحبه إلى ما بعد الغياب، ويظل حاضرًا، لأن الأرواح تعرف من زارها بصدق. ليس الفن ما يُقال، وإنما ما يُعاد ليس المجد في من يعلو فوق المنصة، لكن في من يتسلل إلى الذاكرة بلا مقدمات. من قال شيئًا يمس القلب، وغنّى كأنه يبوح لا يُؤدي، هو من يُروى بعد رحيله، لا يُذكر فقط. الأسماء كثيرة، غير أن قليلًا منها يتحول إلى أثر والأثر لا يُروى كحدث، إنما يُروى كصوتٍ لا يزال حيًّا، وذكرى لا تزال تُحسّ، ووجدانٍ لا يزال يردّد ذلك الشعور الأول، حتى وإن مرّت سنوات. إن من كان أثره نقيًّا لا يموت اسمه بانطفاء نجومية، بل يمتد كظلّ.. كلما ذُكر اسمه، بردَت فينا حرارة الحياة قليلاً. لهذا لا يخلّد الجمهور الاسم، وإنما يخلّد الإحساس الذي تركه ذلك الاسم فيهم. فالشهرة، حدث. أما الأثر.. فرواية تُروى، حتى بعد أن يسكت كل شيء!