في زمنٍ تتراكم فيه الأغاني وتتلاشى بسرعة، يظل صوت راشد الماجد حالة فنية خاصة لا تشبه سواها، ولا تمر مرور العابرين، هي محطات شعورية نتوقف عندها حين تخذلنا اللحظة، وكلما أردنا تصديق شعورٍ قبل أن نُسمّيه، بصوته نُؤرّخ الوجع، نُجمّل الحنين، ونستعيد أنفسنا كما كنّا أنقى. منذ حين أخذ بأيدينا في درب "المسافر"، تغيّرت نظرتنا للغياب، لم نعد نبكي الرحيل، وإنما نُتقنه، نُرتّبه كما يُرتَّب اللحن في صوته، ومع كل ضيق، كنا نعود إليه بعد الله، لا إلى الناس.. نبحث في "توصي شيء" عن طمأنينة، ونراجع مع "علمتني" دروس الشعور حين خانتنا الحروف. ما بين "ودي أبكي" و"وحشتني سواليفك"و "أبشر"، كُتبت فصول من أعمارنا. لأن صوت راشد لم يكن يومًا صدًى في الأذن، إنما معنى يسكن الروح. وحتى حين طال الغياب، لم نغضب، بل "تلمّسنا له عذرًا"! فنحن أبناء "عظيم إحساسه" الذين لا يخاصمون غيابه، بل ينتظرونه دون عتابٍ ف"شرطان الذهب" لم يكن عملًا متكلّفًا، بل مرآة لفنٍ يحترم مشاعره، ويعبّر عنها بعفوية راقية. "أغلى حبيبة" لم تكن أغنية فحسب، بل رسالة من محبين لم تُكتب، فاختاروا صوت راشد ليبوح بها عنهم. "الهدايا"، لم تكن إلا مواقف صوتية أنقذت أرواحًا مثقلة بالحنين. "الحل الصعب"، تلك اللوحة الغنائية التي جمع فيها راشد بين العذوبة والجرأة، نقش بها اسمه في ذاكرة الذوق النقي، و"سلامات" و"نور عيني"، حينما ينكسر العادي، وتتجمل الأغنية بلونٍ لا يُنسى. حتى وإن خصصنا مساحةً للحديث عن ألبوماته، فلن تكفي، فكل ألبوم في مسيرته لم يكن مجرّد تجّميع أغانٍ، بل حياة كاملة تُغنّى! "ساعات" مرّت ونحن ننتظر، و"الليل والناس الضيوف"، حين "كانوا عابرين.. كان وحده الباقي، والغائب الحاضر، المُنتظر!، وعندما هتف القلب: ب"وينه؟" لم يكن سؤالًا، بل اشتياقًا ناعمًا. وحين لم يأتِ صوته كما عهدناه، قلنا: "الغياب يشابه الليل الطويل".. فصوت مثل راشد، لا يليق به التأخر، ولا التبدل. راشد.. لسنا سوى قلوب تهوى صوتك كما هو. نُحب بصدق، ونشتاق بصمت، ولا نطلب الكثير، فقط أن يبقى الصوت صوتك، والروح روحك. فنحن جمهورك الذي لا يحتفظ بأغانيك في الأرشيف فحسب! "أنت غير الناس"، و"عشان الحب" نحبك كما كنت، وفاؤنا لك جذور تمتد في كل أغنية كنت فيها على طبيعتك، كما قلت عن نفسك: "أنا الأبيض".. فلا تحتاج إلى تلوين! ثقتنا بك: "استحالة" تتكرّر.. ف "كيف أوصفك؟" وكيف بمفردة أنصفك؟ راشد.. "كيف أنسى؟" وصوتك ارتبط فينا أكثر من الملامح.. "أنت لي" جملة قلناها لصوتك قبل أن نقولها لحبيب. "يا حرام"، كيف غنّيت الخذلان بكل هذه الرقة؟ كيف جعلت الجرح يسمع نفسه.. ويهدأ؟ ووالله.. "ليتني طير" لأحلّق فوق كل لحظة غنيت فيها، لأشهد البداية فقط.. وأقول: من هنا بدأ الأثر. ختامًا: في الفرح، في الفقد، في الحب، في الحنين.. كان راشد قبل أن نُدرك ما نشعر به. شكرًا يا راشد.. لأنك لم تُخلّد أغنية، بل منحتنا الخلود فيها.