يروق لي شعار وزارة الطاقة الذي يحمل عبارة «للطاقة وطن».. الذي لا يختصر الكلمات فحسب، بل يلخص حقيقة وواقعاً، وتكمن في إجابتها الضمنية أن السعودية هي وطن الطاقة؛ فمنذ أن أصبح النفط شرياناً للعالم، كانت المملكة القلب النابض لإمداداته، واليوم، ومع تنوّع مصادر الطاقة بين بترول وغاز وهيدروجين وطاقة نووية سلمية ومتجددة، يتضح أن قصة الطاقة السعودية أكبر من مجرد أرقام إنتاج وأسعار برميل، إنها قصة حياة تمس كل بيت وكل مصنع وكل قرار سيادي. وهنا يبرز الإعلام كجسر يربط هذه المنظومة المعقدة بلغة إنسانية بسيطة تُفهم وتُقنع وتُلهم، لتكون السعودية ليس فقط قوة إنتاجية، بل أيضاً قوة سردية إعلامية اتصالية قادرة على صياغة خطاب عالمي حول أمن الطاقة والتنمية والاستدامة. ويزداد هذا الحضور الإعلامي بوهجٍ خاص حين نقف عند قيادة قطاع الطاقة بوزيرها الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي أصبح بحضوره وبصْمته أحد أبرز الوجوه في المحافل العالمية، فقلّما نجد حدثاً دولياً في الطاقة إلا وكان الأمير محركاً أساسياً فيه، بصوته الواثق ورؤيته العميقة التي تمنح المملكة مكانة متقدمة لا في الإنتاج ولا تقنيات الطاقة فحسب، بل في صياغة السياسات الدولية وضمان استقرار الأسواق العالمية، لذا كان وما زال حضوره الإعلامي والدبلوماسي يعزز قوة السرد السعودي، ويعطي بعداً إنسانياً واستراتيجياً لمكانة المملكة في مشهد الطاقة العالمي. فالمملكة بثقلها في النفط والغاز، وبمشروعات الطاقة المتجددة العملاقة، ونجاحاتها في الهيدروجين، وبرؤيتها الطموحة نحو النووية السلمية، تخوض اليوم مرحلة جديدة من السرد الطاقي قائمة على التنويع والابتكار والمسؤولية، وتشير الأرقام إلى أن استثمارات الطاقة عالمياً ستبلغ 3.3 تريليونات دولار في عام 2025، منها نحو 2.2 تريليون دولار تتجه نحو الطاقة النظيفة من متجددة ونووية وشبكات وتخزين وكفاءة، وهذا يعني أن "معركة السرد الإعلامي" لم تعد ترفاً، بل أصبحت ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات وتوجيهها نحو المستقبل. في المشهد المحلي، تتحدث الإنجازات وبقوة؛ حقل الجافورة، المشروع الغازي العملاق، ومشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، الأضخم عالمياً، والذي سيبدأ إنتاج الأمونيا الخضراء، وقطاع الطاقة المتجددة، رفعت السعودية سقف طموحاتها لتأمين 50 % من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول 2030، كل هذه الحقائق وغيرها تحتاج دوماً إلى خطاب إعلامي متخصص يترجمها للجمهور، فيوضح كيف تعني مكونات هذه الطاقة وانعكاسها علينا، وكيف تؤثر على الصناعة، وتزيد من فرص العمل بأعلى قيمة. عالمياً، يتغير مزيج الكهرباء بوتيرة غير مسبوقة؛ إذ ترتفع حصة المصادر النظيفة في توليد الكهرباء، وتتراجع المصادر الأحفورية تدريجياً، مع إسهام قياسي للشمس والرياح في تلبية الطلب، عرض هذه الحقائق عبر قصص بصرية وبيانية، وشرح أثرها على سلاسل الإمداد وأسعار المعادن، يمنح الجمهور فهماً متوازناً بعيداً عن الضجيج، إن تحويل تقارير المنظمات الدولية إلى محتوى إعلامي قابل للمشاهدة والتفاعل هو دور غرف أخبار الطاقة التي ينبغي بناؤها اليوم. وفي المقابل، تبقى الطاقة النووية السلمية مجالاً يتطلب خطاباً إعلامياً بالغ الدقة، يشرح قواعد الأمان، والمخاطر، والمعايير الدولية، وكيفية إدارة النفايات، والفوائد الحقيقية في موثوقية الشبكات وخفض الانبعاثات، وهنا يبرز دور الإعلامي المتخصص، الذي يجمع بين مهارة الصحفي وعمق المحلل السياسي وخبرة المهندس، فيقدم للجمهور خطاباً متوازناً قائماً على المصادر الموثوقة بعيداً عن الإثارة. ولأن الإعلام لم يعد منبراً واحداً، فإن السعودية تمتلك بيئة رقمية استثنائية، إذ تصل نسبة انتشار الإنترنت إلى 99 % بعدد 34.1 مليون مستخدم لوسائل التواصل في 2025م؛ وهذا يعني أن تأسيس قنوات إعلامية متخصصة بالطاقة من بودكاست، إلى قنوات تحليلية، إلى نشرات يومية، إلى إنتاجات مرئية، وحتى محتويات تعريفية وتوعوية مبسّطة عبر برنامج المحادثة الشهير "واتساب"، وهذه ليست خياراً تكميلياً، بل ضرورة استراتيجية ملحة للتوعية والتعريف بهذه المجالات ومستقبل طاقتنا في السعودية. هذه المنظومة بأكملها تستدعي بنية مؤسسية لإعلام الطاقة، بوحدات رصد يومي للأسواق والأسعار، وفرق لتحويل الأرقام إلى قصص بصرية حيّة، ناطقين مدرَّبين على لغة الاقتصاد، وخبراء يظهرون محلياً وعالمياً بصوت واحد ورسالة واضحة؛ كما تحتاج المملكة إلى إعداد جيل جديد من الإعلاميين المتخصصين عبر برامج تدريبية ودبلومات مشتركة بين الجامعات وشركات الطاقة، مع تدعيم غرف الأخبار بالأدوات وقواعد البيانات ومعايير التحقق الصارمة. ختامًا، الطاقة التي لا تُروى لا تُفهم، والطاقة التي لا تُفهم تُقاوَم؛ والسعودية بثقلها في النفط والغاز، وبمشروعات الهيدروجين العملاقة، وبرؤيتها الطموحة نحو الطاقة المتجددة والنووية السلمية لا تقود فقط أسواق الطاقة، بل أيضاً خطابها الإعلامي العالمي، وحين تتحد الأرقام والإنجازات مع العمل الإعلامي الاحترافي، يصبح الاستثمار أسرع، والثقة أعمق، والمستقبل أقرب.