قبل سنوات وقت عملي كملحق ثقافي سعودي في اليابان، زرت جامعة يابانية بها قسم يعنى بالدراسات العربية بهدف تشجيع الأساتذة على ابتعاث طلابهم للجامعات السعودية وإقامة ندوات علمية مشتركة وتعزيز التعاون العلمي البحثي، صدمت برئيس القسم الياباني والذي وكان يحمل نظرة سلبية حيال المملكة ودول الخليج وتبين لي أن السبب هو دراسته في سبعينات القرن الماضي في دولة عربية كانت على عدم وفاق سياسي مع دول الخليج مما انعكس على الطرح الأكاديمي والإعلامي فيها. ورغم مرور السنوات وتبدل الأحوال فكأن رئيس القسم كان ما يزال يعيش في زمن آخر، بعد الاجتماع أخذت جولة في القسم والتقيت عدداً من الطلبة ليشكو لي أحد أساتذة الجامعة والذين درسوا في جامعة خليجية من سيطرة الجيل القديم من خريجي السبيعنات على قرارات القسم وإصرارهم على التعاون مع الجامعات التي تخرجوا منها من دول غير خليجية وابتعاث الطلبة اليابانيين لتلك الجامعات فقط رغم الأهمية الاستراتيجية للسعودية ودول الخليج بالنسبة لليابان والتقدم الاقتصادي والأكاديمي فيها مقارنة بدول المنطقة. في سردي لهذه القصة لست أعارض التعاون البحثي والأكاديمي مع دول أو مجموعة دول عربية بعينها، ولكن ما دعاني لهذا الطرح هو نوعية المديرين الذين انتهت صلاحيتهم وراحوا يؤثرون بشكل سلبي على أداء القسم ومستقبل الطلبة الخريجين بناء على نظرة قديمة وفوق ذلك خاطئة. قضية انتهاء صلاحية المدير يمكن استذكارها فيما حدث عام 2013 خلال المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن بيع قسم الهواتف المحمولة لنوكيا إلى شركة مايكروسوفت، كان تصريح الرئيس التنفيذي لنوكيا وقتها السيد ستيفن إيلوب هو: «لم نفعل أي شيء خاطئ، ولكن بطريقة ما خسرنا»، في الواقع شركة نوكيا التي كانت تتربع وتنافس دوماً على قمة عالم صناعة الجوالات خسرت بعد ظهور وصعود عمالقة الهواتف الذكية، والمشكلة من وجهة نظر الكاتب ليس فقط في فشل الشركة وخسارتها وعدم قدرتها على التكيف وتغيير استراتيجياتها، بل في الرئيس والفريق الإداري الذي لم يستوعب أن أكبر خطأ كان وجودهم كمديرين انتهت صلاحيتهم على رأس هرم الشركة... وقس على ذلك في الكثير من حالات السقوط والفشل والانهيار في مختلف المنظومات. ولكي أكون منصفاً، فكل مدير مهدد بأن تنتهي صلاحيته سواء كان ذلك بانتهاء مدة التكليف وعدم التجديد وفي حالات الفصل. لكن السيناريو الأخطر على أي منظومة هو عندما يبقى المدير وقد انتهت عملياً قدرته على مواكبة التغيرات والتحولات ولم يعد هنالك أثر إيجابي يصنعه أو قيمة يضيفها، في هذه الحالات كثيراً ما تتحول هذه النوعية من القيادات المنتهية الصلاحية إلى عبء وعائق ومرض عضال ينهش في المنظومة ويؤثر سلباً على أدائها. ولكن وكما أن برامج الجوالات الذكية يمكن تحديثها فالمدير يمكن أن يتجدد ويطور معارفه وقدراته سواء بالتدريب والتعلم أو استقطاب الكفاءات وتمكينها وليس تكبيلها وتطفيشها. ومع ذلك، فهنالك أوقات تستدعي تغيير الجهاز بالكامل وليس تحديث البرامج فقط. وبالمقابل فهنالك نماذج مضيئة لمديرين وقيادات استطاعت على مدى سنوات طويلة وربما عقود تجديد فكرها وإمكانياتها وقيادة التحول والابتكار والتغيير بكل نجاح واقتدار. وباختصار، على المدير أن يتقدم قبل أن يتقادم، ويتغير للأحسن قبل أن يُغيّر ويقود فريقه دون تأخير للتحسين والتطوير، فلا يمكن الانتصار في معارك الحاضر والمستقبل بأسلحة قديمة من الماضي. ونصيحتي في الختام، قبل أن تتساءل هل انتهت صلاحية مديرك، اسأل نفسك بكل صدق وتجرد:»هل انتهت صلاحيتي؟؟».