لجوء «بشار» عبء سياسي على روسيا شهدت الجمهورية العربية السورية، في الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، تحولاً عميقاً في بنية الدولة والمجتمع والسياسة الإقليمية والدولية، إذ تكشف هذه المرحلة عن حجم التغيرات الجذرية التي مرت بها سورية منذ اللحظة التي بدأت فيها مؤشرات الانهيار تظهر داخل النظام وصولاً إلى لحظة الهروب الدراماتيكية للأسد ثم صعود الرئيس أحمد الشرع كواجهة جديدة لمرحلة جديدة تتسم بالحذر والأمل في آن واحد. وبعد عام كامل، تظهر سورية مختلفة تماماً عما كانت عليه في زمن الأسد، فالنظام الذي كان يتغذى على الخوف والقمع انهار لصالح مرحلة جديدة تحاول إعادة بناء الدولة على أسس وطنية جديدة وإدارة واقعية للملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتكشف الذكرى الأولى لسقوط النظام عن لحظة تحول مفصلية في تاريخ سورية المعاصر، إذ لم يعد المشهد محكوماً بالرجل الواحد، بل بات موزعاً بين مؤسسات جديدة تتشكل وقوى مجتمعية تبحث عن مستقبل أفضل بعيد عن الاستبداد والخراب الذي خلفه حكم امتد لأكثر من خمسة عقود. عام من المتغيرات الكبرى التي أعادت تشكيل سورية، وفتحت الباب أمام مرحلة قد تكون الأصعب لكنها الأكثر وعداً منذ بداية الأزمة السورية وحتى اللحظة الراهنة. المشهد الأول تبدأ قراءة المشهد من داخل مؤسسات النظام التي كانت أول من أظهر علامات تفكك واضحة بعد عقود من التحكم الحديدي، حيث شهدت أجهزة الأمن والعائلة المتسلطة، تصدعات داخلية وانتشار الفساد وسوء الإدارة وتزايد الشكوك في قدرة الأسد على ضبط الأوضاع في الدولة. تزامن ذلك مع أزمة اقتصادية خانقة عصفت بالبلاد وتسببت في انهيار شبه كامل للعملة وتوقف عجلة الإنتاج وتفشي السوق السوداء في مختلف القطاعات، مما أدى إلى غضب واسع حتى في المناطق التي كان النظام يعتبرها موالية له، وظهرت حالة تمرد صامتة تحولت لاحقاً إلى دعوات علنية تطالب بخروج الأسد وإنهاء حقبة سوداء استنزفت موارد البلاد ودفعت الشعب إلى حافة اليأس. عبء سياسي على روسيا على المستوى الخارجي شكل تخلي روسيا منعطفاً مفصلياً في مسار السقوط، إذ بدأت موسكو بإرسال إشارات واضحة تفيد بأن استمرار النظام أصبح عبئاً سياسياً واستراتيجياً في ظل تغير ميزان القوى الدولي وتزايد الضغوط الغربية والعربية على القيادة الروسية لفتح الباب أمام حل سياسي حقيقي يعيد الاستقرار الإقليمي، كما ظهرت اتصالات روسية مع شخصيات سورية بديلة بينها أحمد الشرع في ظل بحث موسكو عن مرحلة انتقالية تخفف خسائرها وتمنحها دوراً في رسم ملامح ما بعد الأسد. في تلك اللحظات الفاصلة اتخذت موسكو قرارها بترتيب خروج الأسد من البلاد حفاظاً على ما تبقى من نفوذها في سورية، وبدأت عملية الهروب على مراحل، بدءاً بنقل أفراد العائلة إلى الساحل ثم إلى قاعدة حميميم ليغادر الأسد ليلاً على متن طائرة عسكرية روسية، في مشهد جسّد ذروة الانهيار ورحيل رجل فقد كل شيء السلطة والشرعية والدعم وحتى الدائرة المقربة التي تخلت عنه في النهاية. أما الأسد فقد استقر في مدينة روسية معزولة، يعيش تحت حماية دائمة في ظل صراعات عائلية وخلافات مالية وضغوط قانونية متزايدة من جهات دولية تعمل على محاسبته، وباتت صورته كرجل هارب فقد كل نفوذه وتحول إلى عبء سياسي على من تبقى من الداعمين السابقين. تغير موقف إيران بالتوازي جاء تغير موقف إيران التي عانت من أزمات مالية وسياسية داخلية جعلت استمرار دعمها المكلف للنظام أمراً غير قابل للاستمرار، كما أدى اتساع الهوة بين أجنحة القرار الإيراني إلى سحب تدريجي للقوات والمستشارين من مواقع حساسة مما أضعف قبضة النظام على الجبهات والملفات الأمنية. ولم يتأخر الانفجار، فقد انهارت منظومة السيطرة في دمشق والساحل وتعددت الانشقاقات العسكرية وتزايدت الاحتجاجات في مناطق لم يسبق أن شهدت حراكاً معارضاً ومنها مدن الساحل التي طالما شكلت رمز الولاء للنظام. الخطاب الأول للشرع أعقب ذلك إعلان سقوط النظام في دمشق، وتشكيل قيادة انتقالية توافقت حول اسم أحمد الشرع باعتباره شخصية لديها قبول داخلي وقدرة على التواصل مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، وأكد الشرع في خطابه الأول أن سورية تدخل مرحلة تصحيح تاريخي، تبدأ بتوحيد المؤسسات ووقف سيطرة الميليشيات وإعادة بناء الجيش وإطلاق المسار الوطني للمصالحة الشاملة وفتح الأبواب أمام عودة اللاجئين وإطلاق المعتقلين. تفاعل الشارع السوري مع هذا التحول التاريخي بفرح مشوب بالقلق، إذ خرجت المدن الرئيسة من دمشق إلى حلب ودرعا والساحل في احتفالات واسعة لطي صفحة حكم الأسد، ومع ذلك بقي الوعي الشعبي مدركاً أن التحديات المقبلة معقدة، وأن سقوط النظام لا يعني نهاية الأزمات المتراكمة بل هو بداية مرحلة جديدة تتطلب صبراً وعملاً جماعياً ضخماً. السعودية تعيد سورية إلى مكانتها العربية شهدت البلاد بعد السقوط تحولات مهمة في المشهد السياسي والاقتصادي، حيث بدأت عملية إعادة الإعمار بدعم واسع من المملكة العربية السعودية والتي أعلنت استعدادها لتنفيذ برامج تساعد سورية على استعادة مكانتها، كما أعيد فتح البعثات الدبلوماسية وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية تستند إلى مبدأ الاستقرار دون فرض إيديولوجيا أو توجيه خارجي على القرار السوري. إقليمياً، حظي الرئيس أحمد الشرع بدعم سعودي واضح، وتشكل هذا الدعم من خلال رسائل إيجابية من الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى تفاهمات مهمة مع تركيا تتعلق بحدود الشمال وملف اللاجئين، بينما أعربت أوروبا عن استعدادها للاندماج في عملية إعادة بناء سورية مقابل ضمانات سياسية وإنسانية تستند إلى الشرعية الدولية. دور السعودية في إعادة تشكيل المشهد السوري بدا الدعم السعودي لسورية بعد سقوط نظام الأسد كمسار استراتيجي يهدف إلى إعادة بناء الدولة وتعزيز استقرارها السياسي والاجتماعي في مرحلة اعتبرت الأكثر حساسية في تاريخ سورية الحديث، وكانت المملكة ترى في هذه اللحظة فرصة لإعادة سورية إلى محيطها العربي وتثبيت حضور المؤسسات الوطنية بعد سنوات من الانهيار الأمني والاقتصادي. اعتمدت الرياض في خطواتها الأولى على دعم سياسي مباشر للرئيس أحمد الشرع الذي تولى الحكم بعد انهيار النظام السابق، وهي مرحلة تطلبت دعماً واسعاً وإعادة ترتيب العلاقات وتثبيت شرعية القيادة الجديدة أمام المجتمع الدولي والعربي، وقد كانت المملكة أول دولة عربية تعلن اعترافها الكامل بالقيادة الجديدة وتدعمها في مجلس الجامعة العربية وفي المحافل الدولية. تركز الدعم السياسي السعودي على ثلاثة مسارات أساسية هي إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي في العالم العربي وفتح قنوات الدعم الدولي وحماية القرار السوري من التدخلات الخارجية، وقد لعبت الرياض دورًا محوريًا في بناء إجماع عربي حول مسار الاستقرار السوري الجديد خصوصًا بعد تخلي كل من روسياوإيران عن النظام السابق وانسحابهما من المشهد بشكل كامل. أما اقتصادياً، فقد أطلقت المملكة حزمة من البرامج الداعمة لإعادة تنشيط الاقتصاد السوري الذي كان قد وصل إلى مرحلة الانهيار، وكانت المساعدات تركز على القطاعات الحيوية مثل: الطاقة والخدمات والبنية التحتية، إضافة إلى دعم القطاع المالي لضمان قدرة الحكومة الجديدة على دفع الرواتب واستئناف العمل في المؤسسات العامة بشكل طبيعي. بادرت السعودية إلى إطلاق صندوق دعم إعادة الإعمار الذي ساهم في إعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه والطرقات، وكانت هذه المشروعات لبنة أولى في إعادة الحركة التجارية إلى المدن السورية وعودة جزء كبير من النشاط الاقتصادي الذي توقف خلال سنوات الصراع، وقد أسهمت هذه الإصلاحات في دعم الاستقرار الاجتماعي وعودة جزء من النازحين داخلياً إلى مناطقهم. وفي الجانب الاجتماعي، قدمت المملكة برامج مباشرة لدعم الأسر المتضررة من الحرب عبر مساعدات غذائية وطبية ومبادرات إسكان مؤقت، كما دعمت المؤسسات التعليمية والصحية لإعادة فتح المدارس والمراكز الطبية وتخفيف الضغط عن السكان في المدن الكبرى التي شهدت تدفقاً سكانياً كبيراً بعد انتهاء الصراع وقد لعبت المنظمات السعودية دوراً مهماً في إعادة تشغيل مئات المنشآت الخدمية. كما حرصت المملكة على تعزيز حضور المجتمع المدني السوري من خلال دعم المبادرات المحلية وبرامج تدريب الشباب والمنظمات الأهلية بهدف خلق مجتمع قادر على المساهمة في إعادة بناء الدولة والحد من آثار الفوضى والانقسام التي خلفها النظام السابق، وكان هذا التوجه جزءاً من رؤية أشمل تهدف إلى خلق توازن اجتماعي يعزز الاستقرار ويمنع تكرار سيناريوهات التفكك. وشكل الأمن والاستقرار الداخلي أحد أهم أولويات الرياض، حيث قدمت المملكة برامج تدريب ومساعدة لقوى الأمن الوطني لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية السورية وفق معايير حديثة، إضافة إلى دعم جهود ضبط الحدود ومنع الفصائل المسلحة من إعادة التمركز خصوصاً في الشمال والشرق، وقد أسهم هذا الدعم في تقليص عمليات التهريب والتسلل وتحسين قدرة الدولة على بسط نفوذها. كما دعمت المملكة الجهود الدبلوماسية السورية الجديدة لفتح آفاق تعاون اقتصادي وتجاري مع الدول العربية والخليجية، واندماج سورية مجدداً في النظام الإقليمي الأمر الذي أعطى دفعة قوية لعملية التعافي وسمح بعودة شركات عربية للاستثمار في قطاعات السكن والطاقة والخدمات مما ساهم في خلق فرص عمل واسعة وزيادة موارد الدولة. ويمكن القول: إن الدعم السعودي شكل العمود الفقري لمرحلة إعادة بناء الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد، وكان بمثابة مظلة سياسية واقتصادية واجتماعية مكنت الحكومة الجديدة من مواجهة تحديات ما بعد الصراع وتثبيت مؤسساتها، واستعادة ثقة الشارع السوري تدريجياً، وفتح صفحة جديدة تنهي عقوداً من العزلة والدمار. الهروب الكبير للأسد طلائع المساعدات السعودية للشعب السوري احتفالات الشعب السوري بعيد التحرير ويسقط رمز عصر الدكتاتورية في سورية تقرير - مفضي بن راضي الخمساني