نحن الآن في عام 1997م، حينها لم تنجح اليابان في التأهل لكأس العالم ولا لمرة واحدة والتحدي الأكبر هو التأهل لكأس العالم 1998 في فرنسا. في ذلك الوقت، كان نجم الفريق هو الأسطورة كازو ميورا والذي يعد اللاعب الياباني الوحيد الذي لعب في الدوري الإيطالي. وبعد صعوبات كبيرة، تأهلت اليابان إلى الملحق الآسيوي بشق الأنفس. وفي وسط المبارة الحاسمة أمام إيران قرر المدرب استبدال الأسطورة كازو ميورا، استنكر اللاعب هذا القرار قائلاً: "أتخرجني أنا؟"، وبعد لحظات انصاع اللاعب للأمر وغادر الملعب. الجميل أن الفريق الياباني تمكن من قلب النتيجة والانتصار والتأهل لكأس العالم. لكن المفاجأة الأكبر كانت وقت الإعلان عن قائمة الفريق الياباني المشارك في كأس العالم حيث قرر المدرب حرمان كازو من اللعب ضمن صفوف الفريق في الفعالية العالمية. وكان قراراً صادماً للجميع بأن يستبعد المدرب أهم وأشهر نجم كرة ياباني في ذلك الوقت ليؤكد أن الانضباط والروح الجماعية هما الأهم وأنه مهما بلغت النجومية والشهرة فلا مكان للاعب لا يلتزم بتعليمات المدرب. اعتزل كازو الإعلام وقرر عدم الظهور للعلن. لكن الصدمة أن مشاركة اليابان في كأس العالم 1998 انتهت بثلاث هزائم وهدف يتيم واحد. وكان من أهم أسباب الهزائم جو شوجي المهاجم البديل الذي اختاره المدرب مكان كازو ولكنه أضاع الكثير من الفرص ولم يسجل هدفاً واحداً. وبعد العودة من فرنسا، وفي مطار ناريتا الدولي قامت جماهير غاضبة برش مشروب غازي على اللاعب جو. كان اللاعب المسكين يتلقى كل الصدمات والإهانات والانتقادات. وصل لمرحلة كاد فيها أن ينهار نفسياً ويعتزل لعب الكرة. في تلك اللحظات الصعبة جاء اتصال إلى جو من أسطورة الكرة اليابانية كازو ميورا والذي شد من أزره وواساه وطلب منه أن لا يستسلم لهذه الضغوط ويواصل اللعب ويرد على منتقديه في أرضية الملعب. يقول جو:"لولا تلك المكالمة لكنت قد اعتزلت الكرة وانهرت تماما". ما شدني في هذا الموقف هو الروح القيادية العالية عند كازو. رغم كل الأسى والألم والحسرة على حرمانه من اللعب في كأس العالم، فلم يستغل تلك النتائج المخيبة للآمال ليتشفى وينتقد وينتقم في الإعلام خاصة من اللاعب البديل الذي أخذ مكانه، بل تسامى على كل جراحه ونهض لينقذ ذلك اللاعب الشاب ويعيد له الأمل والحياة الاحترافية. ربما الفارق الأكبر في حالة كازو أن وقفته النبيلة كانت مع لاعب شاب لا ذنب مباشر له ولم تكن مع المدرب الذي تسبب باستبعاده. ومن ناحية أخرى، فلا يمكن تبرئة كازو تماماً أو التشكيك بقرار المدرب والذي كان مبنياً على أرقام ونتائج حقيقية شاهدها الجميع. ما أريد طرحه باختصار هو أن كل واحد منا معرض للكثير من المواقف الصعبة والمؤلمة ويفرض علينا الواقع التعامل مع مختلف الضغوط، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه المصاعب والجراح والضغوط النفسية مبرراً لأي قائد أو مسؤول ليسيء التعامل مع مرؤوسيه وعائلته ومن حوله أو يظلمهم، بل هي سبب مهم لنفهم الآخرين ونستشعر آلامهم ونقف معهم بما نستطيع مع الإيمان التام بأن الله عزوجل في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.