شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في السياسات الحكومية، خصوصًا فيما يتعلق بتنظيم سوق العمل، وذلك في إطار تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وتطوير الموارد البشرية الوطنية. وأصبحت السياسات الحكومية لتنظيم سوق العمل في المملكة العربية السعودية جزء من خطة شاملة تهدف إلى تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق رؤية السعودية 2030م وتركز هذه السياسات على رفع كفاءة سوق العمل، تعزيز التوطين، وتنمية الكفاءات الوطنية. ومن أبرز السياسات الحكومية لتنظيم سوق العمل بالمملكة سياسة التوطين (السعودة) والتي تهدف إلى رفع نسبة مشاركة السعوديين في سوق العمل، وتم تطبيق ذلك من خلال برنامج «نطاقات»، الذي يصنف المنشآت بحسب نسبة توطين الوظائف، وتشمل قرارات توطين المهن عددًا من القطاعات مثل: التجزئة، الصحة، المحاماة، السياحة، التعليم، وغيرها، وقامت المملكة بإجراء تحديثات على نظام العمل لتحسين العلاقة بين صاحب العمل والعامل. ومن أبرزها تفعيل عدد من الأنظمة مثل: حماية الأجور، وتوثيق العقود إلكترونيًا، كما تم العمل على تسريع التحول الرقمي في خدمات العمل بإطلاق منصات إلكترونية مثل: «قوى»، وهي منصة موحدة لجميع خدمات الموارد البشرية، و»طاقات» لربط الباحثين عن العمل مع أصحاب العمل، و»مساند» لتنظيم استقدام العمالة المنزلية، وهذه المنصات تسهل التوظيف وتزيد الشفافية وتحسن جودة الخدمات. «استراتجية عمل» ومن خلال تنظيم العمل المرن والجزئي تم إصدار تنظيمات تسمح بنماذج عمل غير تقليدية، مثل: العمل المرن، والعمل الحر لدعم المهنيين المستقلين. والعمل الجزئي يعمل على توفير فرص أكثر للطلاب والنساء، ويعزز ذلك من مرونة سوق العمل واستيعابه لفئات جديدة، كما تم إطلاق برامج دعم وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية مثل: «تمهير» لتدريب خريجي الجامعات على رأس العمل، و»دروب» وهو: منصة للتدريب الإلكتروني، وكذلك «هدف» ويقدم صندوق تنمية الموارد البشرية دعمًا ماليًا لتوظيف السعوديين. وأطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الاستراتيجية الجديدة منذ عام 2021، وتهدف إلى تطوير سوق العمل السعودي وجعله أكثر كفاءة ومرونة واستدامة، وتعمل على مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق، وزيادة مشاركة السعوديين، وتحسين بيئة العمل، والأهداف الرئيسية للاستراتيجية رفع كفاءة سوق العمل واستقراره. وزيادة مشاركة المواطنين في الوظائف، خصوصًا الشباب والنساء، وتحفيز التوظيف في القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على القطاع الحكومي، إضافة لتحسين جودة الوظائف والارتقاء بظروف العمل، وجذب المواهب والكفاءات العالمية بما لا يضر بالتوطين. وكانت محاور الاستراتيجية الأساسية كالآتي: تنمية رأس المال البشري الوطني بتطوير المهارات والمعارف المستقبلية (مثل التقنية، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني). والتوسع في برامج التدريب المهني والتأهيل، ودعم برامج تمهير، دروب، وهدف، والعمل على مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، بتعزيز التعاون بين الوزارات والجامعات والقطاع الخاص، وتطوير مناهج التعليم بما يتناسب مع متطلبات المهن الحديثة، وما يسهم في رفع معدلات التوظيف، ودعم التوظيف في القطاعات الواعدة مثل السياحة، التقنية، والثقافة، وإطلاق مبادرات توطين نوعي لمهن محددة. وتعزيز العمل المرن والحر والجزئي لتوسيع فرص العمل، وتحسين بيئة العمل وجاذبيتها، وتطوير نظام حماية الأجور والحقوق، وتسريع حل النزاعات العمالية عبر المنصات الرقمية، وتطبيق أنظمة السلامة والصحة المهنية، زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتعزيز الحوكمة والشفافية في سوق العمل، ورقمنة الخدمات، ومراقبة أداء سوق العمل وقياس نتائج السياسات بشكل دوري. «نتائج مستهدفة» وأطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامج العمل عن بعد ليكون الإطار القانوني الأول الذي ينظم ويعزز بيئة العمل عن بُعد، ويضمن حقوق الموظفين وأصحاب العمل، ويدعم الاستقطاب الوطني للمواهب. كما تم تعديل لوائح العمل في القطاع الحكومي رسميًا، لتستخدم العمل عن بُعد كخيار معتمد يُعزز المشاركة النسائية وتمكين ذوي الإعاقة والمناطق الريفية. وتم انتشار نماذج العمل المرن فوصلت نسبة الشركات التي تعتمد أنماط عمل مرنة أو هجينة إلى نحو 67 % من المؤسسات السعودية، مدفوعة برؤية 2030 الساعية للتحول الرقمي. واستطاعت هذه النماذج توفير فرص في مجالات متعددة مثل الترجمة، البرمجة، خدمة العملاء، إدخال البيانات، بما يفتح آفاقًا جديدة للنساء والشباب وذوي الإعاقة. ونما الاقتصاد الحر والوظائف الرقمية، فقد تجاوز عدد المستقلين 2.25 مليون مسجّل حتى نهاية 2024، مستفيدين من منظومة العمل الحر التي دعمتها الوزارة لتعزيز اقتصاد رقمي مرن، وتم تعزيز المصداقية من خلال إصدار شهادات ومزايا، وشجع توظيف السعوديين في مشاريع عمل حر، لتوسيع القاعدة الاقتصادية الوطنية. وتم تنشيط التحوّل الرقمي والخدمات الذكية، حيث توسعت المنصة الرقمية «قِوى» لتغطية كافة خدمات الموارد البشرية عن بُعد، ما أدى لتقليص إجمالي زيارات المكاتب بنسبة قياسية وصلت إلى 93 % خلال أقل من عامين. وهذا التوجه عبر الخدمات الرقمية ساهم في تعزيز الكفاءة وتسهيل الوصول خاصة للعاملين عن بُعد. ومن التحديات والآثار الجانبية ضغوط العمل: 51 % من الموظفين حددوا زيادة في حجم العمل مقارنة بنمط الدوام التقليدي. ورغم فوائد الراحة النفسية، فإنه ما زالت الشركات تفهم مواجهة مخاطر الإرهاق لدى موظفيها عن بُعد، ولهذا 93 % منها بدأت بتوفير برامج تدريبية ودعم للرفاهية. «ضبط السوق» وقد أسهمت السياسات الحكومية في المملكة خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير في ضبط سوق العمل الوافد ورفع نسبة التوطين (السعودة)، وذلك ضمن رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية. ومن أبرز السياسات التي ساهمت في ذلك برنامج نطاقات الذي أطلقته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتصنيف منشآت القطاع الخاص حسب نسبة توطين الوظائف. وكلما زادت نسبة السعوديين في المنشأة، ارتفع تصنيفها، ما يمنحها مزايا مثل تسهيل إصدار التأشيرات ونقل الكفالات. كما تم رفع الرسوم على العمالة الوافدة، ففرضت رسوم على العمالة الأجنبية ومرافقيهم، مما شجّع كثيراً من أصحاب الأعمال على تقليل الاعتماد على الوافدين وتوظيف السعوديين. كما تم توطين المهن والقطاعات بإصدار قرارات تدريجية بتوطين مهن وقطاعات محددة مثل: القطاع الصحي، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمبيعات والمحاسبة، والمولات التجارية. وهذا الإجراء أجبر الشركات على البحث عن كفاءات سعودية وتدريبها، والعمل على تحسين بيئة العمل للسعوديين من خلال دعم برامج مثل: دروب وطاقات، لتأهيل المواطنين. وتقديم حوافز للشركات الملتزمة بالتوطين، مثل دعم الأجور والتدريب عبر صندوق الموارد البشرية (هدف). كما تم العمل مكافحة التستر التجاري بإطلاق حملة لمكافحة التستر وإلزام المتاجر بالتسجيل في نظام الفوترة الإلكترونية. وتم الحد من سيطرة العمالة الوافدة غير النظامية على بعض القطاعات التجارية. ومن خلال التحول الرقمي والتنظيمي عمل وزارة الموارد البشرية على أتمتة خدماتها، ما قلل من التلاعب وأتاح مراقبة أفضل لسوق العمل. والنتائج المتحققة من ذلك انخفاض في معدلات البطالة بين السعوديين، خاصة بين الشباب والنساء، وزيادة ملحوظة في عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص ، وتحول تدريجي في سوق العمل نحو الكفاءة والإنتاجية. «رؤى طموحة» ولقد نجحت حكومتنا الرشيدة في وضع سياسات متقدمة وفعالة لتنظيم سوق العمل ضمن رؤية طموحة وشاملة. وعلى الرغم من وجود بعض التحديات، إلا أن المؤشرات العامة تؤكد أن المملكة تسير بثبات نحو تحقيق سوق عمل أكثر كفاءة وتنوعًا يتيح فرصًا أكبر للمواطنين، ويعزز من التنافسية الاقتصادية عالميًا. والرؤى الطموحة لتنظيم سوق العمل في المملكة العربية السعودية تنبع من رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، مع تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، وتهيئة بيئة عمل مرنة ومواكبة للتحولات الرقمية العالمية. ومن أبرز الرؤى الطموحة لانضباط سوق العمل، وانعكاساتها على العمل عن بُعد، تحقيق اقتصاد متنوع قائم على الكفاءة، والتركيز على التخصصات ذات القيمة المضافة، وتطوير مهارات المواطنين بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل. وساهم تعزيز مشاركة المواطنين في القطاع الخاص برفع نسبة توظيف السعوديين في مختلف القطاعات، ودعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة، وتوظيف التقنية والتحول الرقمي بأتمتة العمليات الحكومية وتفعيل الأنظمة الذكية. كما أن تنظيم بيانات سوق العمل بشكل دقيق ساهم أيضا باتخاذ قرارات فعالة لتحسين بيئة العمل وجاذبيتها، ودعم أنماط عمل مرنة ك»الدوام الجزئي»، و»العمل عن بعد». وتطوير لوائح حماية حقوق الموظفين وتحقيق التوازن بين أصحاب العمل والعاملين. ومن إيجابيات انعكاسات هذه الرؤى على العمل عن بُعد تشريع وتنظيم العمل عن بعد، وإطلاق برنامج العمل عن بُعد من قبل وزارة الموارد البشرية، والذي يتيح للشركات توظيف سعوديين عن بعد، ويقدم منصات إلكترونية لربط الموظف بصاحب العمل بطريقة نظامية. وتوفير فرص وظيفية أوسع للفئات البعيدة عن مراكز المدن، والنساء، وذوي الإعاقة، وسكان المناطق النائية حيث أصبح لديهم فرصة للاندماج في سوق العمل دون الحاجة للانتقال. ولمستقبل أفضل ولضمان استدامة نجاح العمل عن بُعد يتم العمل على: توسيع خدمات دعم الموظفين النفسي والاجتماعي، وتحفيز الشركات لتبني سياسات مرنة تعزز التوازن الزمني، وتعزيز قدرات العمل الحر وتوسيع فرص التدريب والاعتمادات، ومتابعة فاعلية الإطار التشريعي لضمان تكافؤ الحقوق والمسؤوليات.