في ظل التحولات الثقافية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تتعاظم الحاجة إلى إعادة ترتيب الحقل الأدبي عبر مأسسة العمل الأدبي وتحديد معاييره وضبط تخصصاته. فقد كان المشهد الأدبي، لسنوات طويلة، يعاني من تداخل الأدوار وغموض الانتماء المهني، ما أدى أحيانًا إلى اختلاط التخصصات وتراجع في جودة المنتج الأدبي، خاصة في ظل اتساع المنصات الرقمية وتنامي ثقافة النشر الذاتي. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية المبادرة التي تقودها جمعية الأدب المهنية لتأسيس دليل مهني شامل للأديب السعودي، خطوة تُعدّ فارقة في سبيل تحويل الكتابة الأدبية من مجرد ممارسة فردية إلى مهنة احترافية لها معاييرها وحقوقها والتزاماتها. لقد أصبحت الحدود بين الكاتب الصحفي، والروائي، والشاعر، والناقد، متداخلة إلى حد يربك القارئ، ويضعف الثقة بالمحتوى. كما أن غياب المعايير جعل بعض المنصات تُبرز أصواتًا أدبية غير ناضجة على حساب كفاءات إبداعية أصيلة، مما أضر بجودة المحتوى الأدبي وأسهم في تشويه الذائقة العامة. وأصبح يطلق على كل من كتب نصاً كيفما اتفق اسم كاتب أو أديب، أو روائي أو شاعر، وهذا الخلط الذي أشرنا إليه، ربما هو ما أفسد أو يفسد مهنة الكتابة، خاصة إذا ما عرفنا أن الكتابة ذات فنون شتى، ولكل فن منها معاييره الخاصة التي تحكمه، فالرواية مثلا سرد لحكاية، بينما الشعر موسيقى عبر أوزان القصيدة، فيما تحمل كتابات أخرى مثل الخبر أو المقال الصحفي نسقاً آخر في الكتابة يعتمد على اللغة المباشرة التي لا تحتمل التبطين أو التأويل أو الدلالات المتعددة وتعدد القراءات كما هو حال الكتابة الإبداعية مثل القصة والرواية أو الشعر. ولهذا بات وضع المعايير المهنية له أهميته البالغة إذا ما أردنا أن نؤسس لعمل احترافي مهني، وهو في ذات الوقت لا يعني تقليص حرية الإبداع، بل على العكس، هو خطوة لحماية الكاتب الجاد، ولحفظ مساحات التميز من الاجتياح العشوائي، كما أنه يُسهم في تحديد المسارات المهنية داخل الحقل الأدبي، ويفتح الباب أمام بناء منظومة عادلة للنقد والتقييم والتكريم. إنّ هذه الخطوة من جمعية الأدب المهنية ليست مجرد إجراء تنظيمي فحسب، بل هي تأسيس لرؤية مستقبلية تجعل من الأديب السعودي طرفًا فاعلًا في مشروع وطني ثقافي كبير، وتؤهله ليكون سفيرًا للهوية السعودية عبر لغته ونصه ومشروعه الفكري. كما أنها تتيح بناء بيئة عادلة تحترم التخصص وتُعلي من قيمة الجودة، وتفتح المجال أمام الجهات الإعلامية والتعليمية والثقافية للاستفادة من الكفاءات المعتمدة ضمن هذا الإطار المهني.