في عالمٍ باتت فيه السينما أداة تشكيل للخيال والوجدان، لا يمكن تجاهل ما تمثله الشخصيات الأسطورية من حضور عاطفي ونفسي في حياة الأطفال والناشئة، يكبر ملايين الأطفال حول العالم وهم يتشبثون بعباءة "سوبرمان"، ويتمنون قفزة "سبايدرمان"، ويتعلمون الولاء من "كابتن أمريكا"... لكن، ماذا عن الطفل السعودي؟ من بطله السينمائي؟ من يُشبهه في ملامحه وبيئته وتحدياته؟ السينما السعودية، رغم نهضتها المتسارعة، لم تخلق بعد أسطورتها الخاصة، الشخصية التي تمتزج فيها ملامح البطل الشعبي مع الخيال المعاصر، والتي يمكن أن تكون ملهمة وجاذبة للأجيال الجديدة، لا سيما في ظل المنافسة الحادة من الشخصيات العالمية التي تغزو الشاشات والمنصات بلا توقف. لسنا بحاجة إلى تكرار نسخة من سوبرمان بعباءة سعودية، نحن بحاجة إلى أسطورة سعودية خالصة، تنطلق من بيئتنا، وتحمل قيمنا، وتُحاكي وجدان طفل بطل ينتمي إلى الصحراء كما ينتمي إلى المدينة، يواجه التحديات بذكاء ودهاء وجلد وصبر وإباء، يستقي أبجدياته من أمه وجدته، يمشي بين الطائف والدرعية ونيوم والعلا، وتبدو تضاريس بلاده وبيئته جزءًا من أسطورته. لكن، من يمكن أن تكون هذه الشخصية؟ كيف تبدو؟ وماذا تمثل؟ قد يكون طفلا في العاشرة من عمره يعيش في أحد أحياء جدة العتيقة، يجد في مذكرات وذكريات جدّه القديمة خريطةً غامضة تقوده إلى أسرار مخفية في أعماق التاريخ، أو قد تكون فتاة من العُلا، تمتلك قدرة على التواصل مع الحيوانات، وتُستخدم موهبتها لحماية إرث بيئتها من قوى سوداء قادمة من الفضاء الخارجي، وربما نراها في مراهق يتيم من الصحراء، يمتلك موهبة خارقة في فهم الرياح وتحليل الظواهر الطبيعية، يتحوّل إلى حامٍ لمدينته من الكوارث الطبيعية. ليست بالضرورة هي القوة من تخلد الأبطال في الذكرة، بل المواقف، والقيم، والرمزيات التي يتمثل بها. لذلك يجب أن تكون هذه الشخصية نابعة من تفاصيلنا، لا نسخةً معدّلة عن أبطال الآخرين. تخاطب خيال الطفل السعودي دون أن تغترب عنه أو تجبره على التماهي مع سياقات لا صلة له بها. الفرصة اليوم سانحة أمام صنّاع الأفلام والمنتجين وكتّاب السيناريو في السعودية لصناعة هذه الشخصية، بل وحتى في الألعاب الإلكترونية لا لمجرد الترفيه، بل لأجل بناء علاقة وجدانية بين الطفل وهويته عبر الشاشة، فكما شكّلت الرسوم المتحركة اليابانية والقصص المصورة الأميركية وجدان أجيال كاملة، نحن بحاجة إلى أن نمنح أبناءنا أبطالاً يُشبهونهم، ويعكسون أحلامهم ومخاوفهم، ويمشون على تراب بلدهم، ويخاطبونهم بلغتهم. قد لا تكون هذه الشخصية أول عمل جماهيري ضخم، لكنها ستكون أول من يفتح الباب لطفل سعودي يقول: "أريد أن أكون مثله".. ومن هنا تبدأ الأسطورة.