تؤدي الصورة دوراً بارزاً في أحداث «الربيع العربي»، وتثبت مع الوقت مدى تأثيرها في مجريات الأحداث وقدرتها على حشد الناس، بل وتفريقهم أحياناً. ولم يكتف صنّاع الصورة بالمشهد الذي تسجّله الكاميرا، بل أضاف البعض، من خياله، تفاصيل جديدة لإضفاء نوع من الدهشة، يزيد قوة الصورة وتأثيرها. إذ، وبفضل النقل المباشر للفضائيات العربية، وحتى أشرطة الفيديو المصوّرة بالهواتف الخليوية وتبث تلفزيونياً وعلى «يوتيوب» و «فايسبوك» وغيرهما، لم تعد وظيفة الصورة تنحصر في التوثيق ونقل الخبر، لا سيما مع استمرار الثورات، في أكثر من بلد عربي، شهوراً طويلة. بات هناك متّسع للفن، للعب، وللإبداع، في الصورة... حتى لو كانت ملتقطة من قلب الحدث. ألهمت الأحداث الأخيرة في مصر، من مواجهات في القاهرة ومدن مصرية عدة، صنّاع الصورة الكثير من هذه الأفكار، لجعل الصورة «تحكي» وتؤكد وجهة نظر معينة، من دون التخلّي عن الطرافة المصرية وحسّ السخرية، إضافة إلى الابتكار الذي يبلور فكرة فنية-سياسية، خلافاً لمغزاها الأصلي وتأثيرها المباشر على المشاهد. فالصورة من أكثر المواد تداولاً على الإنترنت، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يمتد تأثيرها في شكل يفوق توقعات أصحابها. محتجون مجنّحون. كائنات ومركبات فضائية. شخصيات كرتونية وسينمائية... هي نماذج لعناصر تضاف إلى الصورة، مستوحاة من الخيال العلمي والأفلام المتكهّنة بسيناريوات المستقبل... فالبلد في النهاية يرسم غده، الآن. هي عناصر مشتركة في عدد من الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية الأحداث الأخيرة في مصر. ومن بين هذه الصور مجموعة يضيف أصحابها أجنحة متخيّلة إلى أجساد المحتجّين أبطالها، وهم يتحركون بين سحابات الدخان الكثيف لقنابل الغاز. أشخاص بأجنحة شفافة يستطيعون التحليق بها بعيداً من تأثير الدخان، يقفزون ويأتون بحركات بهلوانية فراراً من رائحة الغاز الخانقة وزخات الرصاص المطاط، فيبدون كأنهم يحلقون بالفعل، وتبدو الأجنحة جزءاً من أجسادهم وتمنحها خفة الحركة. صور أخرى لكائنات فضائية مستوحاة من أفلام السينما الأميركية، تتجول في أرجاء ميدان التحرير. توضع هذه الصور جنباً إلى جنب مع صور حقيقية التقطت من قرب لمحتجين وقد وضعه بعضهم أقنعة واعتمروا خوذات ذات أشكال غريبة، لحماية أنفسهم وسط الاشتباكات. فالمحتجّون يحاولون بشتى الطرق التكيّف مع واقع «الميدان»، بابتكار أشياء تحميهم من الرصاص والغاز، كالأقنعة والخوذات والنظارات السلكية، في الكرّ والفرّ مع عناصر الأمن و «البلطجية» المدججين بالأسلحة وقنابل الغاز، ما يضفي شيئاً من الدهشة، بل الخرافة الفنية، على هيئاتهم. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي يمكنك أن ترى صورة لأحد هؤلاء المحتجين على هيئته هذه، وإلى جواره صورة أخرى لكائن فضائي، وعليك أن تقارن وتكتشف من منهما الحقيقي ومن المزيف. وانطلاقاً من الفكرة السابقة، ستعثر أيضاً على صور أخرى تظهر «ميدان التحرير» وهو يتعرض لقصف ناري من سفن فضائية، أو كائنات غريبة غير أرضية. وتمثّل الصور ردّاً مبتكراً على إنكار السلطات الأمنية المتواصل، في بداية الأحداث الأخيرة، استخدام قنابل الغاز، ثم إنكارها استخدام الرصاص المطاط أو قنابل المولوتوف ضد المحتجين، على رغم انتشار عشرات الصور واللقطات التي تسجل تلك الاعتداءات لحظة وقوعها. هو خيال السلطة يرتدّ عليها، مدفوعاً إلى حدّه الأقصى... فإذا كانت «الكذبة» فلتكن «كذبة حقيقية»، كذبة كاملة، وبذلك تُدحض. شخصيات السينما الأميركية الخيالية الشهيرة، مثل «سبايدرمان» و «سوبرمان» وغيرهما، كان لها حضور لافت في تلك الصور أيضاً، إذ تلمحها أحياناً مشاركةً في الاحتجاج، أو مراقبة للمشهد من فوق أحد أعمدة الإنارة أو البنايات المحيطة. وهناك شخصيات أخرى جرى استحضارها من أرشيف السينما المصرية لتشارك في الاحتجاجات المتجددة. أما أكثر الصور انتشاراً على «فايسبوك» فهي من نصيب أحد التماثيل البرونزية الأربعة لأسود جسر «قصر النيل» الشهيرة. فيظهر التمثال في مشهدين منفصلين: في الأول يضع ضمادة بيضاء على إحدى عينيه، وهي الصورة التي اختارتها حركة «6 أبريل» لتتصدر صفحتها على الموقع، احتجاجاً على تعمّد استهداف قوات الأمن لعيون المحتجّين. والثاني للتمثال نفسه، ويصوّره قافزاً، تاركاً مكانه، متجهاً إلى مركز الاحتجاجات في «ميدان التحرير». هي إبداعات فنية توظّف فيها برامج التصميم الغرافيكي، لتضفي على الصورة أبعاداً جديدة، ابتكرها أصحابها لتساهم بدورها في الحراك السياسي الذي تشهده الساحة المصرية، والذي تمثل الصورة أحد أهم ملامحه.