كوريا الشمالية تختبر صاروخين "جديدين" للدفاع الجوي    تجمع الرياض الصحي الأول يتفاعل مع حملة «اقتداء وعطاء»    بيع أغلى صقر في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025 ب 1.2 مليون ريال    موجز    10 % حد أقصى لرسوم الأراضي    تعزيز الاستثمارات والكفاءة اللوجستية    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    حذرت من أزمة غذائية حادة.. أونروا: إيقاف المجاعة يحتاج لتعاون دولي    تحذير من عودة العقوبات.. عراقجي ولافروف: الترويكا الأوروبية تفتقر للسلطة لتفعيل آلية الزناد    الأمم المتحدة تطرح خطة لحل الأزمة الليبية    اتحاد القدم: مشاركة الأهلي نظامية.. "الاستئناف" تعتبر الهلال خاسراً أمام القادسية وتغرمه نصف مليون    برونو فيرنانديز يقترب من الاتحاد    انتخابات الأهلي .. فضلاً أعد المحاولة مرة أخرى    برعاية وزير الداخلية.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 208 متدربين من الدورات التأهيلية    المرور: جاهزون لتنفيذ خطة العام الدراسي    أمراء ومسؤولون وأعيان يقدمون التعازي.. أميرا حائل والباحة ونائب أمير مكة المكرمة يواسون الأمير فهد بن مقرن    «فلكية جدة»: سهيل يعلن بداية العد التنازلي للصيف    خادم الحرمين وبناء على ما رفعه ولي العهد يوجّه بمنح الدلبحي وسام الملك عبدالعزيز نظير شجاعته في إنقاذ الأرواح    انطلاق «مهرجان البحر الأحمر» في ديسمبر المقبل    ياسمين عبد العزيز تعود إلى الكوميديا في رمضان    فسح وتصنيف 180 محتوى سينمائياً في أسبوع    استشاري يطرح وصفة سريعة لخسارة الوزن    تعليق الدراسة الحضورية في مدارس تعليم عسير    بعد الهزيمة في السوبر.. النصر يتحرك للتخلص من محترفه    شرط من بورتو لرحيل جوهرته إلى الاتحاد    القبض على رجل في اليابان بعد إصابته 18 شخصا برشه لرذاذ الفلفل    انتخاب المملكة رئيساً مشاركاً لمجموعة عمل حوْكَمة البيانات    ميندي: الأهلي يمتلك عقلية حصد البطولات    اتحاد الكرة: استئناف الهلال قابل للطعن أمام التحكيم الرياضي    «أونروا» جاهزة لتعبئة ستة آلاف شاحنة بالمساعدات الغذائية والدوائية لقطاع غزة    محمد أسد بين النسخة الأوروبية والتجديد الإسلامي    عن المقال وتأثيره    وزارة الشؤون الإسلامية واثقة الخطوات    اليوم الوطني السعودي: قصة وطن خالدة    مدينة الخطيئة    وزير الصحة يختتم زيارته إلى نيوزيلندا    الفائزون في مسابقة الملك عبدالعزيز للقرآن: المنافسة قوية والفرحة عظيمة.. وشكراً لقيادة المملكة    الناقد والمعماري القاسي    نائب أمير الشرقية يعزي الشيخ عبدالرحمن الدوسري في وفاة شقيقه    مستشفيات تجمع القصيم الصحي تفتح أبوابها للمتبرعين    6808 قضايا نفقة خلال شهرين.. المحاكم تنصف المطلقات وتحمي الأبناء    65 ألف مستفيد من الدورات الصيفية بمكة المكرمة    المفتي: أيها المعلمون عليكم مسؤولية وأمانة في أعناقكم    الألعاب النارية تسطع في سماء بريدة تزامناً مع كرنفال التمور    المرور يُعلن جاهزيته لتنفيذ خطة مرورية شاملة مع إنطلاق العام الدراسي    البطيخ والشمام لمرضى السكري    الأسباب الشائعة لتشوه الأظافر    6 ملايين طالب وطالبة يعودون غدًا إلى مقاعد الدراسة بمختلف مناطق المملكة    مركز الملك سلمان للإغاثة يواصل توزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة    مؤسسة في قطاع السيارات تسرق الكهرباء من مسجد    الصحة القابضة والتجمعات الصحية تبدأ في استقبال المتبرعين بالدم    وزير الرياضة يكشف خطط السعودية لصناعة جيل جديد من الأبطال    أمير حائل يهنئ الطلاب والطالبات ببدء العام الدراسي ويؤكد دورهم في تحقيق رؤية 2030    البرتغال: 1331 وفاة بسبب موجة الحر    سوق سوداء لبيع بيانات الأفراد الشخصية    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    محافظ الخرج يرفع الشكر لسمو ولي العهد على إطلاق الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة الخطيئة
نشر في الوطن يوم 24 - 08 - 2025

كان صباح الرابع والعشرين من أغسطس عام 79 ميلادي، يوماً عادياً في مدينة بومبي. كانت المدينة نابضة بالحياة؛ خبازون يعجنون، تجار يساومون، أطفال يركضون في الأزقة، ونساء يشعلن البخور عند مذابح منازلهن.
لكن بعد ساعات، ثار بركان فيزوف فغطى الرماد البركاني السماء والأرض، واختنقت أصوات المدينة إلى الأبد.
أرسل الإمبراطور تيتوس وفودًا للإغاثة إلى المدن المتضررة، بما في ذلك هيركولانيوم وبومبي، وأعطى توجيهات لتوفير الطعام والمأوى للناجين، وفرض رقابة على الأسعار لتجنب استغلال المأساة.
رغم هذه الجهود، فإن الطبيعة كانت أسرع وأكثر قسوة من قدرة البشر على التدخل.
من بين كل المدن التي ابتلعتها الكوارث عبر التاريخ، ظلت مدينة بومبي الإيطالية حالة فريدة؛ لأنها حُبست في لحظة واحدة من الزمن، محفوظة تحت طبقات الرماد. إلا أن ما نجا من بومبي في المخيال الشعبي ليس صورتها الحقيقية الكاملة، بل نسخة مشوهة تُروى بوصفها «مدينة الملذات التي عاقبتها الطبيعة».
لم يكن هذا الاختزال تلقائياً، فقد لعبت عوامل ثقافية وتاريخية دوراً في تكريسه.
حين بدأت الحفريات في القرن الثامن عشر، فوجئ الباحثون بكم كبير من الفنون والمنحوتات والجداريات والتمائم التي تصور أوضاعاً جريئة. هذه الصور كانت في الثقافة الرومانية القديمة جزءاً من الرموز الدينية أو الزخرفة العامة، لكنها صدمت الذوق الأوروبي المحافظ آنذاك.
تحولت الصدمة إلى مادة خصبة للأدب والفن، وأُعيد تأويل المدينة كلها عبر عدسة الأخلاق الفيكتورية، التي فضلت سردية «مدينة الفجور» على دراسة ميدانية وتاريخية جادة ومتعددة الأوجه.
الواقع الأثري يكشف أن بومبي لم تكن حفلة صاخبة مستمرة، بل ميناءً تجارياً مهماً، وملتقى ثقافات، وموطناً لطقوس دينية يومية. فيها اقتصاد متنوع، وبنية تحتية متطورة، ونظام اجتماعي معقد. وكانت - مع ذلك - مثل كل المدن، فيها مواقع للترفيه كالحانات والمسارح والأسواق. أما تصوير الأجساد فكان متركزاً في مذابح «اللاراريوم» (Lararium) حيث تُقدَّم القرابين للأرواح الحامية، وفقاً للمعتقدات الدينية السائدة.
إنه لمن غير المنصف أن تُروى بومبي اليوم على أنها عِبرة أخلاقية جاهزة، ويُتغَاضَى عن حكاية إنسانية لحضارة كاملة توقفت في منتصف الجملة.
من جهة أخرى، القراءة المنطقية الواعية تساعدنا على معرفة كيف تتشكل الأساطير حول المدن، وكيف تلون العدسات الثقافية رواياتنا عن الماضي.
من المهم أن نتعلم قراءة الأحداث في سياقاتها التاريخية والثقافية، لا أن نكتفي بالصور المكررة التي تُعيد إنتاج أحكام جاهزة. بومبي التي تُختزل اليوم في قصة عن «عاقبة الانحلال» هي في الواقع درس في هشاشة الحضارة، وقيمة التوثيق التاريخي، وخطورة إسقاط معايير الحاضر على الماضي. كما أن معايير الفضيلة والانحلال هي مفاهيم حديثة، لذا فإن إسقاطها على بومبي يشوه السياق التاريخي ويؤدي إلى أحكام مغلوطة.
مسؤوليتنا، ونحن نروي قصتها، ألا نسمح للأسطورة أن تطمس الحقيقة. فالماضي هو مستودع الذاكرة البشرية، وعلينا أن نقرأه دائماً بعين ناقدة، وقلب كبير، وعقل مستعد لاحترام تاريخ الأمم الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.