إن نعمة الأوطان من أعظم نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى؛ ففي الوطن يجد الإنسان الاستقرار، والعزة، والمجد، والتاريخ، والوحدة، والشموخ. وقد اختص الله أرض الجزيرة العربية بخصائص دينية وتاريخية عظيمة، فجعلها مهبط الوحي، ومقر الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين. وهي أرض فضلها الله بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين قال: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ بَيْتَ اللَّهِ وَأَمَّنَهُ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، فَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا، وَلَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا». فهي مصداق دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأرض الرسالة الخاتمة، التي بعث فيها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين. وقد تعاقب على هذه البلاد ملوك كرام، وأفذاذ عظام، أسسوا بنيانها على التوحيد والعدل، فحفظوا أمنها، وصانوا وحدتها، وبنوا نهضتها. رحم الله من مضى منهم، وبارك فيمن بقي، فجميعهم على عهد واحد ونهج راسخ حتى غدت المملكة العربية السعودية في مصاف الأمم المتقدمة، والتاريخ شاهد على ذلك. وإن الحديث عن الوطن في يومه الوطني ليس مجرد سرد لمجد ماضٍ، بل هو تذكير بنعمة عظيمة لا تقدر بثمن، وواجب في حق الأوطان أن تُحفظ وتصان. فقد أضاع كثير من الناس أوطانهم حين أهملوا قيمها بدعاوى الحرية الزائفة، فانفرط عقد الأمن، وضاعت المقدرات، وانهار التاريخ. أما في بلاد الحرمين فقد جمع الله بين الحرية الحقة، والأمن الشامل، والرخاء الدائم، فكان ذلك فضلًا من الله ونعمة تستوجب الشكر. إن اليوم الوطني السعودي ليس مناسبة احتفالية فحسب، بل هو عهد متجدد على الولاء، والوفاء، والعمل، والبذل، وحراسة القيم التي قام عليها هذا الوطن المبارك. وهو مناسبة لتجديد البيعة للقيادة الرشيدة، وتعزيز الانتماء للأرض، وإحياء الوعي بقيمة الأمن والاستقرار، فهما الركيزة الأولى لأي نهضة أو حضارة. فاللهم احفظ وطننا، وزد في عزّه وتمكينه، وأدم عليه أمنه واستقراره، ووفّق ولاة أمره لما تحب وترضى. * كاتب ومحامٍ