من قلب نيويورك، وتحت مظلة الأممالمتحدة، تقدّمت المملكة بخطاب جدد موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، مؤكدة أن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم يُنهَ الاحتلال، وتُقام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة. لقد جاءت هذه الرسالة السياسية القوية خلال رئاسة مشتركة سعودية - فرنسية لاجتماع تحضيري مهم، يُمهد لمؤتمر دولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية وتنفيذ حل الدولتين. في لحظة يتزايد فيها الإحباط الدولي من جمود العملية السياسية، وفي ظلّ التدهور الإنساني في الأراضي الفلسطينية، بدت المملكة وكأنها تُعيد ترتيب الأولويات، وتُذكر المجتمع الدولي بمسؤولياته، فالقضية الفلسطينية ليست بنداً ثانوياً في ملفات السلام، بل هي المعيار الأخلاقي الذي تُقاس به صدقية المواقف الدولية. الاجتماع لم يكن مجرد مناسبة بروتوكولية، بل مناسبة لتأكيد أن المملكة لا تتخلى عن ثوابتها، وأنها لا تزال تُؤمن بأن العدالة هي الطريق الوحيد نحو أمن حقيقي واستقرار مستدام، فهي تعرف من موقعها ومكانتها أن تجاهل حقوق الفلسطينيين لن يُنتج سلاماً، بل يُنذر بانفجارات جديدة، وبموجات عنف لا تنفع معها الصفقات المؤقتة أو الحلول الترقيعية. المملكة في هذا السياق لا تطرح فقط موقفاً سياسياً، بل تُقدم رؤية متكاملة لأمن إقليمي شامل، تُشكّل فيه فلسطين نواته الأخلاقية، وهي رؤية تستند إلى إرث طويل من دعم الشعب الفلسطيني، مغلف بلغة سياسية توازن بين مبادئها وتحركاتها الدبلوماسية. وتؤكد التزام المملكة الثابت بمبادرة السلام العربية، ودورها المحوري في إطلاق «التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين»، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والنرويج، وذلك من أجل إنهاء دوامة الصراع في فلسطين الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود. إن دعوة المملكة المستمرة إلى حل الدولتين تكتسب اليوم زخماً إضافياً في ظل تغير المشهد الجيوسياسي، وتنامي التحديات الأمنية والإنسانية، الرسالة كانت واضحة: «لا استقرار من دون عدالة، ولا عدالة من دون دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة، تعيش في سلام تام». الرياض حين تتقدَّم بلغة السلام والحسم في هذا السياق، فهي ستعيد التأكيد على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، تمثل حجر الأساس لأي عملية سلام ذات مصداقية، فإنهاء الاحتلال لم يعد مطلباً فلسطينياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية لمنع المنطقة من الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والتطرف.