صعدت إيران لهجتها تجاه الغرب، ملوّحة ب"رد مناسب" في حال مضي الدول الأوروبية بتفعيل "آلية الزناد"، التي تتيح إعادة فرض العقوبات الدولية، التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، في وقتٍ تتزايد فيه التوترات الإقليمية بعد حرب استمرت 12 يوماً مع إسرائيل وتدخل أميركي محدود. وجاء التهديد الإيراني على لسان المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي، الذي وصف خلال مؤتمر صحفي، الخطوة الأوروبية بأنها "محاولة سياسية لا تستند إلى أي أساس قانوني"، مؤكداً أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحركات تهدف إلى تصعيد الضغوط الدولية. يأتي التصعيد الإيراني ردًا على إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس عزم بلاده، بالتنسيق مع دولتين أوروبيتين، تقديم طلب رسمي إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي اليوم، لتفعيل آلية الزناد ضد طهران. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن التحرك الأوروبي جاء بعد فشل محاولات إحياء الاتفاق النووي وتزايد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن خروقات نووية متكررة من جانب إيران، لكن طهران ترفض هذه الاتهامات بشدة، مؤكدة أن خفض التزاماتها النووية جاء رداً على ما تصفه ب"الانتهاكات الجسيمة" للاتفاق، خاصة بعد انسحاب الولاياتالمتحدة منه عام 2018. من جهته، اتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاولة التأثير على مسار المحادثات بين طهرانوواشنطن، واصفاً إياه بأنه "يفشل في فرض إملاءاته". وفي تغريدة عبر منصة "إكس"، قال عراقجي:"نتنياهو يحلم بمحو أكثر من 40 عامًا من الإنجازات النووية السلمية لإيران. لكننا لن نسمح بذلك". وأضاف أن بلاده تدرس احتمالات استئناف المحادثات مع الولاياتالمتحدة، ولكن بشروط واضحة، منها استبعاد قدراتها العسكرية والصاروخية من أي طاولة تفاوض. وأكد خلال لقائه دبلوماسيين أجانب في طهران أن"حق إيران في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض"، مشيراً إلى أن تفعيل آلية الزناد"يعني نهاية الدور الأوروبي في الملف النووي". التصريحات الإيرانية جاءت بعد أسابيع من صدام مباشر مع إسرائيل، في واحدة من أخطر مراحل التصعيد منذ سنوات، عندما شنت تل أبيب في 13 يونيو هجوماً جوياً استهدف مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، وأدى إلى مقتل قادة وعلماء بارزين. وردّت طهران بإطلاق مسيّرات وصواريخ تجاه الأراضي الإسرائيلية، لتتدخل واشنطن بدورها وتقصف منشآت نووية في فوردو، أصفهان، ونطنز، ما زاد من تعقيد المشهد. وفي 24 يونيو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، عقب استهداف طهران لقواعد أميركية في قطر والعراق دون تسجيل خسائر. آلية الزناد هي بند ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2231، تُمكن أي دولة موقّعة على الاتفاق من إعادة العقوبات على إيران إذا ثبت"عدم امتثالها الجوهري"، وذلك خلال مهلة 30 يوماً من تقديم الشكوى، ما لم يصدر قرار يُبقي على رفع العقوبات — وهو ما يمكن لأي دولة دائمة العضوية أن تستخدم الفيتو ضده، ما يؤدي تلقائياً لإعادة العقوبات. وتنتهي صلاحية هذه الآلية في 18 أكتوبر 2025، ما يجعل التحرك الأوروبي بمثابة"الفرصة الأخيرة" قبل فقدان فاعليتها، بينما تعتبرها طهران ورقة ضغط غير مشروعة، وتلوّح برد دبلوماسي وربما ميداني. وبين تهديدات إيران، وتحركات ألمانيا، وخطاب نتنياهو، يظهر أن الملف النووي الإيراني دخل مرحلة جديدة من التوتر المفتوح. وفي ظل غياب الثقة المتبادلة، واستمرار الهجمات والتصعيد العسكري، تبدو العودة إلى طاولة التفاوض محفوفة بالعراقيل — خصوصاً مع إصرار طهران على الاحتفاظ بحقها في تخصيب اليورانيوم وتطوير قدراتها الدفاعية، ورفضها المساومة عليها.