للوقوف على الأسعار الحقيقية لمنتجات المصانع الصينية بالإمكان زيارة معرض (الكانتون فير) في الصين، الذي يعتبر من أكبر المعارض العالمية، ومساحته تصل لمليون متر مربع، لأن فارق السعر بين الموجود فيه والمتوفر في السوق قد يصل لعشرين ضعفًا، علاوة على أن ماركات غربية شهيرة يتم تصنيعها في الصين، لرخص عمالتها وتواضع تكلفة الإنتاج فيها.. استطاعت الصين تحقيق نجاحات مؤثرة، وتحديدا في حربها التجارية مع أميركا، وبالأخص في مجالي التجارة الإلكترونية والسوشال ميديا، فقد تفوق تيك توك على نظرائه في أميركا بمراحل، والأميركيون يتدارسون اقتطاع جزء كبير من كعكته، ومعه تطبيق تيمو، الذي تقدم على عمالقة تجارة التجزئة الرقمية في أميركا نفسها، وعلى رأسهم أمازون ووولمارت، ولا أستبعد أنه سيخضع لمحاولة اقتطاع مشابهة، خصوصا أن الإدارة الحالية في واشنطن تعطي اهتماماً خاصاً بالأمور الاقتصادية، وتحاول فرض إرادتها بقوة الضرائب العالية على الواردات، ومنصة تيمو الصينية، استطاعت خلال ستة أشهر، وتحديداً ما بين 2022 و2023، أن تتجاوز منافسيها في السوق الأميركية، وأصبحت التطبيق الاكثر تحميلا في أميركا، بفعل استراتيجتها التسويقية الذكية، وأبرزها القيام بالإعلان في نهائي السوبر بول الأميركي، والذي يعتبر الحدث الأكبر في أميركا، وبمبلغ 21 مليون دولار، وقد تمكن من مشاهدته 850 مليون شخص على اليوتيوب الأميركي، وهو أمر لن يعجب منافسيها من الشركات الصينية والأميركية معاً. شركات التقنية الصينية تواجه مشكلات مع حكومتها، لأن الثانية تعتقد أن نفوذها أصبح موازيا لنفوذ الحزب الشيوعي الحاكم، وقد حاولت الحد من تأثيرها، وبالتالي فالعلاقة بين الطرفين ليست مستقرة تماما، ولا يوجد بينهما تعاون ظاهر، مثلما يقال، واحتمالات التجسس، أو بيع البيانات في السوق السوداء، أو الإنترنت المظلم، أو حتى القول إن التعليقات التي تمتدح منتجات تيمو مكتوبة بواسطة روبوتات لا أشخاص فعليين، وأنه يستخدم كميات كبيرة من البلاستيك في طرود الشحن الخاصة به، والتحذير من انبعاثاتها الضارة بالبيئة، والتي تؤدي للاحتباس الحراري، أو تشكل خطراً على صحة الأطفال، وتصيب الأشخاص بالطفح الجلدي والتحسس نتيجة لسوء التخزين، كلها مجرد تهم وتلفيقات لم تثبت، بينما تم التأكد وبالدليل، أن بيانات المستخدمين تم استغلالها في الانتخابات الأميركية، وعلى منصات سوشال ميديا معروفة في أميركا، أبرزها فيسبوك، في فضيحة كامبريدج أناليتيكا عام 2016. لعل مسألة انتشار تيمو سببها نموذج العمل فيه، ومزاوجته بين طريقة شركة علي بابا في التجارة الإلكترونية، وشركة تنسانت مالكة وي تشات في الألعاب الرقمية، أو ما يعرف ب(الغايمفيكيشن)، وكلاهما نموذجان من الصين، وهذا جعل المتسوق يشعر وكأنه داخل لعبة وليس تطبيق تسوق، والشاهد أن مدة الاستمرار في استخدامه، للمرة الواحدة، تزيد عن غيره بما يصل لثماني دقائق، ومنتجاته المتوفرة بأسعار منخفضة، تنسجم مع الركود الاقتصادي والتضخم، ومع تراجع القوة الشرائية عند معظم الناس، بالإضافة لربطه بين الصانع والمشتري بلا وسطاء، وشحن منتجاته مجاناً، وتوفيره لخدمة التقسيط، واستفادته من ثغرة موجودة في القانون الأميركي، تسمح للأميركيين بالشراء من الصين بلا جمارك، وبشرط ألا تزيد قيمة الشحنة على 800 دولار، وهذه الأفكار تستحق الإعجاب والتصفيق. إلا أن ما سبق قاد الجهات المنزعجة من التطبيق الصيني في أميركا إلى الضغط باتجاه خفض الحد الأدنى لقيمة الشحنات المعفاة، إلى عشرة دولارات لا أكثر، ووصل التربص إلى حد اتهام تيمو أنه يستورد منتجات من مقاطعة شينجانغ، والأخيرة تعتقد وزارة الخارجية الأميركية، بوجود إبادة جماعية تستهدف الأقلية المسلمة فيها، أو توظفها في معسكرات العمل القسري، لإنتاج بضائع تدخل إلى الولاياتالمتحدة، وأنهم يعملون 380 ساعة في الشهر، أو قرابة 13 ساعة في اليوم، وهو أمر غير معقول، بخلاف أن تيمو لا تقوم بأدوار الوساطة، وإنما تربط بين الصانع والمشتري مباشرة. في الواقع إذا تقدم المستخدم بشكوى صحيحة على منتجات تيمو فإن المسؤول عنها يغرم بمبالغ كبيرة، تعادل أحياناً خمسة أضعاف سعر المنتج، والمنتجات رغم سعرها المنخفض، يبيعها التطبيق بثمانية أضعاف سعرها المصنعي، وللوقوف على الأسعار الحقيقية لمنتجات المصانع الصينية، بالإمكان زيارة معرض (الكانتون فير) في الصين، الذي يعتبر من أكبر المعارض العالمية، ومساحته تصل لمليون متر مربع، لأن فارق السعر بين الموجود فيه والمتوفر في السوق قد يصل لعشرين ضعفا، علاوة على أن ماركات غربية شهيرة يتم تصنيعها في الصين، لرخص عمالتها وتواضع تكلفة الانتاج فيها، ولم يغير هذا في سعرها المرتفع. يضم تيمو 870 مليون مستخدم من 112 دولة، ونصيب أميركا من الإجمالي 104 ملايين، وفيه ما يزيد على 13 مليون تاجر، وهو متاح في أكثر من 60 دولة، بما فيها دول الخليج والمملكة، وموجود في 15 سوقاً رئيسة في العالم، والقيمة السوقية ل(بي بي دي هولدينغز) المالكة للتطبيق، قدرت بنحو 210 مليارات دولار في 2024، وقد استحوذت على 17 % من متاجر الخصومات في أميركا، وتجربته تستحق الاستنتساخ سعوديا، وذلك فيما يتعلق بالدمج بين أكثر من نموذج عمل، وجمعها في منصة تسويق إلكتروني واحدة، أو بأقل تقدير التفكير في الاستحواذ على حصة منه، بمعرفة صندوق الاستثمارات العامة.