شهد قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية تصعيداً عسكرياً عنيفاً، تمثل في تنفيذ أكثر من 150 غارة جوية إسرائيلية؛ استهدفت مواقع متعددة، وسط انهيار الجهود الدولية للتوصل إلى تهدئة دائمة، في وقتٍ يواجه فيه السكان أوضاعاً إنسانية كارثية تهدد بكارثة وشيكة. وأعلن الجيش الإسرائيلي- عبر بيان رسمي- أن سلاح الجو نفذ سلسلة واسعة من الضربات الجوية استهدفت ما زعم أنه "أهداف عسكرية" تعود لفصائل مسلحة داخل القطاع، شملت عناصر ميدانية، ومخازن أسلحة، ومباني مفخخة، ومواقع لإطلاق الصواريخ المضادة للدروع، بحسب ما نقله موقع "تايمز أوف إسرائيل". في المقابل، أسفرت هذه الغارات عن مقتل ما لا يقل عن 50 فلسطينياً، بينهم أطفال وأطباء، فضلاً عن إصابة عشرات المدنيين بجروح متفاوتة، وفق ما أكدته مصادر طبية وأمنية فلسطينية. ومن أبرز الضربات، استهداف سوق شعبي عند مفترق السامر بحي الدرج وسط مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً، من بينهم طبيب، بالإضافة إلى غارة دموية على منزل في مخيم النصيرات، أوقعت عشرة قتلى بينهم أطفال، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام فلسطينية. كما تعرضت نقطة لتوزيع مياه الشرب شمال غرب مخيم النصيرات لقصف جوي، أدى إلى مقتل عشرة أشخاص -بينهم ستة أطفال- وإصابة 16 آخرين، نُقلوا جميعاً إلى مستشفى العودة القريب. وأكد الدفاع المدني في غزة أن القصف الإسرائيلي لم يقتصر على الأهداف العسكرية المزعومة، بل طال أيضاً مناطق تأوي نازحين، مشيراً إلى أن إحدى الغارات استهدفت خيمة للنازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وقال المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل،:" إن الفرق تمكنت من نقل جثامين 31 قتيلاً وعشرات المصابين خلال الساعات الماضية"، مشيراً إلى أن من بين الضحايا أطفالاً ونساءً. وفي ظل استمرار العمليات العسكرية، حذرت سبع وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن نقص الوقود في القطاع وصل إلى مستويات حرجة، واعتبرته"عبئاً إضافياً لا يستطيع السكان تحمله في ظل ظروف شبه مجاعة يعيشونها منذ أشهر". ويُهدد نفاد الوقود بتوقف خدمات حيوية مثل تشغيل المستشفيات ومحطات تحلية المياه، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني بشكل خطير. وعلى الصعيد السياسي، تتبادل إسرائيل وحركة حماس الاتهامات بشأن مسؤولية تعثر المفاوضات غير المباشرة، التي تُجرى في العاصمة القطريةالدوحة، بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة. وقال مصدر فلسطيني مطّلع: إن المفاوضات "تواجه صعوبات معقدة"؛ نتيجة "تمسك إسرائيل بخطتها الأمنية"، التي ترى فيها حماس تهديداً لمطالبها الأساسية؛ وعلى رأسها انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق التماس داخل القطاع. وفي تطور لافت، كشفت مصادر فلسطينية أن حركة حماس أبدت استعدادها للعودة إلى المقترح الأمني، الذي قدمته قطر في يناير الماضي، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية إلى مسافة 700 متر من حدود غزة، مع السماح بهوامش مرنة لا تتجاوز 400 متر في بعض المناطق. لكن الحركة شددت في المقابل على رفضها القاطع لإنشاء ما يعرف ب"محور موراج"، معتبرة أن وجود هذا المحور سيحول دون عودة قرابة 400 ألف نازح إلى مناطقهم في مدينة رفح، وهو ما وصفته بأنه "عقبة كبرى أمام أي تسوية سياسية ممكنة". وفي ظل تصاعد الضربات العسكرية وتدهور الأوضاع الإنسانية وتعثر المسار السياسي، يبدو أن قطاع غزة يدخل مرحلة جديدة من التعقيد، فالخسائر البشرية تتزايد، والمجتمع الدولي يعجز حتى الآن عن فرض هدنة فعالة، بينما تتشبث الأطراف بمواقفها وسط مشهد ينذر بانفجار إنساني لا تُعرف حدوده.