بعض ساسة أمريكا يتعاملون مع العالم كما لو أن كل دولة فيه هي مستعمرة أمريكية! وهذا التعامل المتغطرس هو الذي ينفّر العالم من أمريكا.. فحتى الحلفاء والأصدقاء المقربون لأمريكا في أوروبا ضاقوا ذرعا بها.. وهذا ما يبدو واضحا من المقالات الكثيرة التي تنشرها صحف أوروبا ومن الكتب التي تصدر هناك والتي تنتقد السياسة الأمريكية بشدة وتتهمها بالصلف والتكبر. ونحن، في السعودية، لنا نصيبنا من هذا التعامل غير المبرر.. فعلى سبيل المثال لازال هناك من يتحدث عن قانون «محاسبة السعودية» بتهمة عدم تعاونها في الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب.. ويمثل هذا التوجه السيناتور أرلن سبيكتر ومجموعة من رجال الكونغرس والسياسيين الذين ينتمون إلى تيار المحافظين الجدد. وعندما يعقد سبيكتر ورفاقه جلسة استماع في الكونغرس لهذا الغرض فإن الأمر يبدو غاية في السخافة لأن السعودية هي نفسها دولة متضررة من الإرهاب وقد عانت كثيراً بسبب عمليات التخريب التي يقوم بها الإرهابيون في عدد من مناطق المملكة بما في ذلك مكةالمكرمة والمدينة المنورة.. فكيف تتهم السعودية بأنها غير متعاونة في مكافحة الإرهاب!؟ ولا يقل غرابة عن هذا أن تكون احدى التهم الموجهة للسعودية الدعوة إلى الإسلام.. فنحن نعلم أن المنظمات التنصيرية الأمريكية تجوب العالم الإسلامي وتدعو إلى النصرانية وتقدم كل المغريات لسلخ المسلمين من دينهم وتحويلهم الى الديانة النصرانية.. وهذه المنظمات التبشيرية مقربة من تيار المحافظين الجدد.. كما أنها تحظى بدعم مالي علني في أمريكا.. وقد عانى العالم الإسلامي الأمرَّين من هذه المنظمات لأنها تستغل الفقر والأحوال الاقتصادية والاجتماعية المزرية في بعض الدول والمناطق الإسلامية وتنشر دعواتها التنصيرية مما مزَّق تلك المجتمعات وجرَّها إلى حروب أهلية بسبب الخلافات الدينية التي زرعتها تلك المنظمات. والأغرب من هذا كله أن يكون موقف السعودية من إسرائيل هو المقياس الذي يحتكم إليه ويستشهد به هؤلاء الذي يريدون تمرير ما يسمى بقانون محاسبة السعودية!! فمن بين الاتهامات الموجهة للسعودية أنها غير متعاونة في موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل!! وقد بلغ الغرور بهذا السيناتور ورفاقه المتشددين أن طلبوا من المملكة أن ترسل مندوباً يمثلها أمام جلسة الاستماع التي عقدت في الكونغرس في الأسبوع الماضي كما لو أن السعودية واحدة من جمهوريات الموز الصغرى.. وبالطبع رفضت السعودية الاستجابة لهذا الطلب، فالسعودية أكبر من أن تمثل أمام لجنة سبيكتر التي لن ترضى عن السعودية طالما تمسكت بموقفها المشرف من القضية الفلسطينية رغم التخاذل الكبير لعدد من الدول العربية في موضوع التطبيع مع إسرائيل مما يمثل إحراجاً للمملكة. إن هذه الأصوات المنكرة تسيء إلى أمريكا قبل أن تسيء للسعودية.. فليس من صالح أمريكا أن تؤلب المشاعر ضدها.. ولا يهم أن يتم كل ذلك في إطار الممارسة الديمقراطية داخل أمريكا.. فشعوب العالم لن تتخلى عن كرامتها لمجرد أن سيناتوراً أمريكياً منتخباً يريد أن يتقرب إلى احدى اللوبيات التي دعمت وصوله الى الكونجرس عن طريق إهانة الآخرين وإطلاق الاتهامات الظالمة عليهم.